كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 6)

قَالَ) وَإِنْ قَالَ اخْتَارِي إذَا أَهَلَّ الشَّهْرُ أَوْ إذَا كَمُلَتْ السَّنَةُ أَوْ إذَا قَدِمَ فُلَانٌ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ بِذَلِكَ فَلَهَا الْخِيَارُ إذَا عَلِمَتْ فَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ كَالْمُنَجَّزِ وَلَوْ خَيَّرَهَا مُطْلَقًا عِنْدَ وُجُودِ هَذِهِ الْأُمُورِ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْمَجْلِسِ الَّذِي عَلِمَتْ بِهِ كَذَلِكَ هُنَا.

(قَالَ) وَإِنْ قَالَ اخْتَارِي يَوْمَ كَذَا أَوْ رَأْسَ الشَّهْرِ أَوْ صَلَاةَ الْأُولَى فَلَهَا الْخِيَارُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ كُلِّهِ وَوَقْتِ تِلْكَ الصَّلَاةِ كُلِّهِ وَرَأْسِ الشَّهْرِ لَيْلَتِهِ وَيَوْمِهِ كُلِّهِ؛ لِأَنَّ الشَّهْرَ يَشْتَمِلُ اللَّيَالِيَ وَالْأَيَّامَ وَرَأْسُهُ اللَّيْلَةُ الْأُولَى وَيَوْمُهَا وَيَسْقُطُ خِيَارُهَا بِمُضِيِّ هَذَا الْوَقْتِ إنْ عَلِمَتْ أَوْ لَمْ تَعْلَمْ؛ لِأَنَّهُ أَوْجَبَ لَهَا الْخِيَارَ مُؤَقَّتًا فَلَا يَبْقَى بَعْدَ مُضِيِّ الْوَقْتِ.

(قَالَ) وَإِنْ قَالَ اخْتَارِي يَوْمَ يَقْدَمُ فُلَانٌ فَقَدِمَ فُلَانٌ لَيْلًا فَلَا خِيَارَ لَهَا وَلَوْ قَدِمَ بِالنَّهَارِ فَلَهَا الْخِيَارُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ يَتَوَقَّتُ فَذَكَرَ الْيَوْمَ فِيهِ لِلتَّوَقُّتِ بِهِ فَيَتَنَاوَلُ بَيَاضَ النَّهَارِ خَاصَّةً بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ يَوْمَ يَقْدَمُ فُلَانٌ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَحْتَمِلُ التَّوْقِيتَ وَلَا يَخْتَصُّ بِأَحَدِ الْوَقْتَيْنِ فَذِكْرُ الْيَوْمِ فِيهِ عِبَارَةٌ عَنْ الْوَقْتِ.

(قَالَ) وَإِنْ قَالَ اخْتَارِي تَطْلِيقَةً فَقَالَتْ قَدْ اخْتَرْتهَا فَهِيَ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ تَطْلِيقَةً بِمَنْزِلَةِ التَّفْسِيرِ لِأَوَّلِ كَلَامِهِ وَالْمُبْهَمُ إذَا تَعَقَّبَهُ تَفْسِيرٌ يَكُونُ الْحُكْمُ لِذَلِكَ التَّفْسِيرِ فَيَصِيرُ مُفَوِّضًا إلَيْهَا الطَّلَاقَ بِاللَّفْظِ الصَّرِيحِ وَكَذَلِكَ الْأَمْرُ بِالْيَدِ لَوْ قَالَ لَهَا أَمْرُك بِيَدِك فِي تَطْلِيقَةٍ كَانَ هَذَا تَفْسِيرَ كَلَامِهِ الْأَوَّلِ وَلَوْ قَالَ اخْتَارِي تَطْلِيقَتَيْنِ فَقَالَتْ قَدْ اخْتَرْت وَاحِدَةً وَقَعَ عَلَيْهَا تَطْلِيقَةً رَجْعِيَّةً؛ لِأَنَّهَا مَلَكَتْ إيقَاعَ اثْنَتَيْنِ وَمِنْ ضَرُورَتِهِ أَنْ تَمْلِكَ إيقَاعَ الْوَاحِدَةِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي تَطْلِيقَتَيْنِ إنْ شِئْتهمَا فَاخْتَارَتْ وَاحِدَةً لَا يَقَعُ عَلَيْهَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الشَّرْطَ مَشِيئَتَهَا تَطْلِيقَتَيْنِ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ بِإِيقَاعِ الْوَاحِدَةِ.

(قَالَ) وَلَوْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي اخْتَارِي اخْتَارِي فَقَالَتْ قَدْ اخْتَرْت نَفْسِي فَهَذَا جَوَابٌ مِنْهَا تَامٌّ لِلْكَلِمَاتِ الثَّلَاثِ فَتَطْلُقُ ثَلَاثًا وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي مَرَّةً وَاحِدَةً أَوْ بِمَرَّةٍ أَوْ اخْتِيَارَةٍ فَهَذَا جَوَابٌ تَامٌّ لِلْكَلِمَاتِ الثَّلَاثِ فَتَطْلُقُ ثَلَاثًا وَإِنْ قَالَتْ اخْتَرْت التَّطْلِيقَةَ الْأُولَى وَقَعَ عَلَيْهَا وَاحِدَةً بِالِاتِّفَاقِ. (قَالَ) وَإِنْ قَالَتْ اخْتَرْت الْأُولَى أَوْ الْوُسْطَى أَوْ الْأَخِيرَةَ فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى تَطْلُقُ وَاحِدَةً بَائِنَةً بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَالَتْ اخْتَرْت التَّطْلِيقَةَ أَوْ اخْتَرْت التَّطْلِيقَةَ الْأُولَى؛ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهَا اخْتَرْت الْأُولَى مَا صَارَ إلَيْهَا بِالْكَلِمَةِ الْأُولَى وَاَلَّذِي صَارَ إلَيْهَا بِالْكَلِمَةِ الْأُولَى تَطْلِيقَةٌ فَكَأَنَّهَا صَرَّحَتْ بِذَلِكَ تَوْضِيحُهُ أَنَّ الْأُولَى نَعْتٌ لِمُؤَنَّثٍ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ التَّطْلِيقَةَ

الصفحة 218