كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 6)

لِأَنَّ ظِهَارَهُ قَدْ صَحَّ وَتَثْبُتُ بِهِ الْحُرْمَةُ إلَى أَنْ يُكَفِّرَ فَثُبُوتُ الْحُرْمَةِ بِسَبَبٍ آخَرَ لَا يَمْنَعُ بَقَاءَ تِلْكَ الْحُرْمَةِ لِأَنَّ أَسْبَابَ الْحُرْمَةِ تَجْتَمِعُ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ وَإِذَا بَقِيَتْ تِلْكَ الْحُرْمَةُ لَا تَرْتَفِعُ إلَّا بِالْكَفَّارَةِ

(قَالَ) وَلَوْ ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ وَهِيَ أَمَةٌ ثُمَّ اشْتَرَاهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقْرَبَهَا حَتَّى يُكَفِّرَ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ تَثْبُتُ بِالظِّهَارِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْحُرْمَةِ الثَّابِتَةِ بِالطَّلَاقِ وَلَوْ طَلَّقَهَا اثْنَتَيْنِ لَمْ تَحِلَّ لَهُ بِسَبَبِ الشِّرَاءِ بَعْدَ ذَلِكَ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ بِزَوْجٍ آخَرَ فَكَذَلِكَ إذَا ثَبَتَتْ الْحُرْمَةُ بِالظِّهَارِ أَوْ هَذِهِ حُرْمَةٌ مَعَ بَقَاءِ الْمِلْكِ فَكَانَتْ كَالْحُرْمَةِ الثَّابِتَةِ بِسَبَبِ الْحَيْضِ وَالْحَائِضُ لَا تَحِلُّ لَهُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ كَمَا لَا تَحِلُّ لَهُ بِمِلْكِ النِّكَاحِ وَكَذَلِكَ إنْ أَعْتَقَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا لِأَنَّ النِّكَاحَ الثَّانِيَ كَالْأَوَّلِ وَمَعَ بَقَاءِ النِّكَاحِ الْأَوَّلِ مَا كَانَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَقْرَبَهَا حَتَّى يُكَفِّرَ فَكَذَلِكَ فِي النِّكَاحِ الثَّانِي.

(قَالَ) وَظِهَارُ الصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ بَاطِلٌ كَطَلَاقِهِمَا لِأَنَّ مُوجَبَ الظِّهَارِ الْحُرْمَةُ الْمُؤَقَّتَةُ بِالْكَفَّارَةِ وَلَيْسَا مِنْ أَهْلِ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِمَا وَلَا مِنْ أَهْلِ مُبَاشَرَةِ سَبَبِ الْحُرْمَةِ بِالْقَوْلِ.

(قَالَ) وَظِهَارُ السَّكْرَانِ وَالْمُكْرَهِ لَازِمٌ كَطَلَاقِهَا لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ وَالسُّكْرَ لَا يُؤَثِّرُ فِي اكْتِسَابِ سَبَبِ الْحُرْمَةِ بِالْقَوْلِ وَلَا فِي اكْتِسَابِ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عِنْدَنَا

(قَالَ) وَظِهَارُ الْأَخْرَسِ مِنْ امْرَأَتِهِ فِي كِتَابٍ أَوْ إشَارَةٍ مَفْهُومَةٍ صَحِيحٌ كَطَلَاقِهِ لِكَوْنِهِ أَهْلًا لِمُوجَبِ الظِّهَارِ وَلَا يَدْخُلُ عَلَى الْمُظَاهِرِ إيلَاءٌ وَإِنْ لَمْ يُجَامِعْهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ أَوْ أَكْثَرَ وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذَا لَمْ يُجَامِعْهَا وَلَمْ يُكَفِّرْ حَتَّى مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ بَانَتْ بِالْإِيلَاءِ لِأَنَّ الْمَوْلَى مُضَارٌّ مُتَعَنِّتٌ بِمَنْعِ حَقِّهَا فِي الْغَشَيَانِ وَقَدْ تَحَقَّقَ ذَلِكَ فِي حَقِّهَا بِالظِّهَارِ لِأَنَّ فِي الْمَوْضِعَيْنِ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ قُرْبَانِهَا شَرْعًا إلَّا بِالْكَفَّارَةِ وَلَكِنَّا نَقُولُ حُكْمُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْقُرْآنِ وَلَا يُقَاسُ الْمَنْصُوصُ عَلَى الْمَنْصُوصِ فَلَوْ أَثْبَتْنَا حُكْمَ الْإِيلَاءِ فِي الظِّهَارِ كَانَ بِطَرِيقِ الْمُقَايَسَةِ وَكَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ حُكْمُ الظِّهَارِ فِي الْإِيلَاءِ بِطَرِيقِ الْمُقَايَسَةِ فَكَذَلِكَ لَا يَثْبُتُ حُكْمُ الْإِيلَاءِ فِي الظِّهَارِ مَعَ أَنَّ الظِّهَارَ لَيْسَ فِي مَعْنَى الْإِيلَاءِ فَإِنَّ التَّكْفِيرَ فِي الظِّهَارِ قَبْلَ الْجِمَاعِ وَفِي الْإِيلَاءِ بَعْدَهُ.

(قَالَ) وَلَوْ قَالَ إنْ قَرِبْتُك فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي كَانَ مُولِيًا إنْ تَرَكَهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ بَانَتْ بِالْإِيلَاءِ وَإِنْ قَرِبَهَا فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ لَزِمَهُ الظِّهَارُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ إنْ قَرِبْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَهَذَا لِأَنَّهُ مَنَعَ نَفْسَهُ مِنْ قُرْبَانِهَا إلَّا بِظِهَارٍ يَلْزَمُهُ وَمَعْنَى الْإِضْرَارِ وَالتَّعَنُّتِ بِهَذَا يَتَحَقَّقُ فَكَانَ مُولِيًا مِنْهَا وَإِذَا بَانَتْ بِالْإِيلَاءِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَقَرِبَهَا فَهُوَ مُظَاهِرٌ لِأَنَّ الْيَمِينَ بَاقِيَةٌ وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ كَالْمُنْجَزِ.

(قَالَ) وَإِذَا ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ ثُمَّ قَالَ لِامْرَأَةٍ لَهُ أُخْرَى أَنْتِ عَلَيَّ مِثْلُ هَذِهِ يَنْوِي الظِّهَارَ فَهُوَ مُظَاهِرٌ

الصفحة 233