كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 6)

وَغَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا لِأَنَّ مَعْنَى تَحْرِيمِ الْبُضْعِ بِإِيقَاعِ الثَّلَاثِ يَحْصُلُ فِي الْحَالَتَيْنِ بِصِفَةٍ وَاحِدَةٍ.
وَكَذَلِكَ يَسْتَوِي فِي الْكَرَاهَةِ إيقَاعُ الثَّلَاثِ جُمْلَةً وَإِيقَاعُ الثِّنْتَيْنِ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ لِمَعْنَى عَدَمِ الْحَاجَةِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا، وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الثَّانِيَةِ كَوُجُودِهِ فِي الثَّالِثَةِ وَلِأَنَّ إيقَاعَ الثِّنْتَيْنِ وَإِنْ كَانَ لَا يَحْصُلُ بِهِ تَحْرِيمُ الْبُضْعِ فَإِنَّهُ يَقْرُبُ مِنْهُ وَهَذَا الْقُرْبُ مُعْتَبَرٌ فِي الْحُكْمِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا قَالَتْ لِزَوْجِهَا طَلِّقْنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ وَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً يَجِبُ ثُلُثُ الْأَلْفِ وَلَوْ طَلَّقَهَا اثْنَتَيْنِ يَجِبُ ثُلُثَا الْأَلْفِ وَكَمَا أَنَّ سَدَّ بَابِ التَّلَافِي حَرَامٌ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ فَكَذَلِكَ مَا يَقْرُبُ مِنْهُ يَكُونُ حَرَامًا.

وَأَمَّا السُّنَّةُ مِنْ حَيْثُ الْوَقْتِ مُعْتَبَرٌ فِي حَقِّ الْمَدْخُولِ بِهَا وَذَلِكَ أَنْ يُطَلِّقَهَا إذَا طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضِ قَبْلَ أَنْ يُجَامِعَهَا فِيهِ قَالَ فِي الْكِتَابِ بَلَغَنَا ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُرَادُ مِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «فَإِنَّهُ لَمَّا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا هَكَذَا أَمَرَك اللَّهُ يَا ابْنَ عُمَرَ إنَّمَا السُّنَّةُ أَنْ تَسْتَقْبِلَ الطُّهْرَ اسْتِقْبَالًا» الْحَدِيثَ، وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «إنَّ ابْنَك أَخْطَأَ السُّنَّةَ مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا فَإِذَا حَاضَتْ وَطَهُرَتْ فَلْيُطَلِّقْهَا إنْ شَاءَ طَاهِرَةً مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ أَوْ حَامِلًا قَدْ اسْتَبَانَ حَمْلُهَا فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ تَطْلُقَ لَهَا النِّسَاءُ» وَجَاءَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] أَيْ يُطَلِّقُهَا طَاهِرَةً مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ.
وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ إبَاحَةَ الْإِيقَاعِ لِلتَّفَصِّي عَنْ عُهْدَةِ النِّكَاحِ عِنْدَ عَدَمِ مُوَافَقَةِ الْأَخْلَاقِ وَذَلِكَ لَا يَظْهَرُ بِالْإِيقَاعِ حَالَةَ الْحَيْضِ لِأَنَّهَا حَالُ نَفْرَةِ الطَّبْعِ عَنْهَا وَكَوْنُهُ مَمْنُوعًا عَنْهَا شَرْعًا فَرُبَّمَا يَحْمِلُهُ ذَلِكَ عَلَى الطَّلَاقِ وَكَذَلِكَ فِي الطُّهْرِ الَّذِي جَامَعَهَا فِيهِ لِأَنَّهُ قَدْ حَصَلَ مَقْصُودُهُ مِنْهَا فَنَقَلَ رَغْبَتَهُ فِيهَا فَلَا يَكُونُ الْإِيقَاعُ دَلِيلَ عَدَمِ مُوَافَقَةِ الْأَخْلَاقِ فَأَمَّا فِي الطُّهْرِ الَّذِي لَمْ يُجَامِعْهَا فِيهِ تَعْظُمُ رَغْبَتُهُ فِيهَا فَلَا يَقْدُمُ عَلَى الطَّلَاقِ إلَّا لِعَدَمِ مُوَافَقَةِ الْأَخْلَاقِ؛ فَلِهَذَا اخْتَصَّتْ إبَاحَةُ الْإِيقَاعِ بِهِ وَلِهَذَا الْمَعْنَى قَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنَّهُ يُكْرَهُ إيقَاعُ الطَّلَاقِ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ مِنْ غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا لِأَنَّ مَعْنَى نَفْرَةِ الطَّبْعِ وَالْمَنْعِ شَرْعًا لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ كَوْنِهَا مَدْخُولًا بِهَا أَوْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا وَمَعْنًى آخَرُ فِيهِ أَنَّ فِي الْإِيقَاعِ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ إضْرَارًا بِهَا مِنْ حَيْثُ تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا لِأَنَّ هَذِهِ الْحَيْضَةَ لَا تَكُونُ مَحْسُوبَةً مِنْ الْعِدَّةِ وَتَطْوِيلُ الْعِدَّةِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا} [البقرة: 231].
وَفِي الْإِيقَاعِ فِي طُهْرٍ قَدْ جَامَعَهَا فِيهِ إضْرَارٌ بِهَا مِنْ حَيْثُ اشْتِبَاهِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا وَلِهَذَا قُلْنَا لَا بَأْسَ

الصفحة 7