كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 8)

مَالٍ مُتَقَوِّمٍ، وَالْمَيْتَةُ لَيْسَتْ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْبَيْعَ بِهِ لَا يَنْعَقِدُ حَتَّى لَا يَمْلِكَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ بِالْقَبْضِ فَكَذَلِكَ الْكِتَابَةُ، وَإِذَا لُغِيَ الْعَقْدُ يَبْقَى إعْتَاقُ الْأُمِّ بَعْدَ انْفِصَالِ الْوَلَدِ عَنْهَا فَلَا يُوجِبُ ذَلِكَ عِتْقَ وَلَدِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَاتَبَهَا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ مُكَاتَبَةً فَاسِدَةً فَوَلَدَتْ وَلَدًا، ثُمَّ أَعْتَقَ السَّيِّدُ الْأُمَّ عَتَقَ وَلَدُهَا مَعَهَا؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ هُنَاكَ مُنْعَقِدٌ مَعَ الْفَسَادِ فَثَبَتَ حُكْمُهُ فِي الْوَلَدِ اعْتِبَارًا لِلْفَاسِدِ بِالْجَائِزِ، ثُمَّ عِتْقُ الْأُمِّ بِإِعْتَاقِ السَّيِّدِ إيَّاهَا بِمَنْزِلَةِ عِتْقِهَا بِأَدَاءِ الْبَدَلِ فَيَعْتِقُ وَلَدُهَا مَعَهَا.

وَإِنْ كَاتَبَهَا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَهِيَ قِيمَتُهَا عَلَى أَنَّهَا إذَا أَدَّتْ فَعَتَقَتْ فَعَلَيْهَا أَلْفٌ أُخْرَى جَازَ عَلَى مَا قَالَ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ بَدَلَ الْكِتَابَةِ عَلَيْهَا أَلْفَيْ دِرْهَمٍ إلَّا أَنَّهُ عَلَّقَ عِتْقَهَا بِأَدَاءِ الْأَلْفِ مِنْ الْأَلْفَيْنِ، وَذَلِكَ صَحِيحٌ فَإِذَا أَدَّتْ الْأَلْفَ عَتَقَتْ وَعَلَيْهَا الْأَلْفُ الْأُخْرَى كَمَا كَانَ الشَّرْطُ بَيْنَهُمَا إذْ لَا يَبْعُدُ أَنْ تَكُونَ مُطَالَبَةً بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ بَعْدَ عِتْقِهَا كَمَا لَوْ اُسْتُحِقَّ الْبَدَلُ بَعْدَ مَا أَدَّتْ إلَى الْمَوْلَى تَبْقَى مُطَالَبَةً بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ وَعَتَقَتْ بِالْأَدَاءِ، وَإِنْ كَاتَبَهَا عَلَى حُكْمِهِ أَوْ حُكْمِهَا لَمْ تَجُزْ الْمُكَاتَبَةُ؛ لِأَنَّهُ مَا سَمَّى فِي الْعَقْدِ مَالًا مُتَقَوِّمًا فَحُكْمُهُ قَدْ يَكُونُ بِغَيْرِ الْمَالِ كَمَا يَكُونُ بِالْمَالِ فَإِذَا أَدَّتْ قِيمَتَهَا لَمْ تَعْتِقْ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْعَقْدِ لَمْ يَكُنْ مُنْعَقِدًا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ لَمْ يُسَمِّ فِيهِ مَالًا مُتَقَوِّمًا فَهَذَا، وَالْكِتَابَةُ عَلَى الْمَيْتَةِ سَوَاءٌ.
وَإِنْ كَاتَبَهَا عَلَى عَبْدٍ بِعَيْنِهِ لِرَجُلٍ لَمْ يَجُزْ وَكَذَلِكَ مَا عَيَّنَهُ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ مِنْ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ يَجُوزُ حَتَّى إنَّهُ إنْ مَلَكَ ذَلِكَ الْعَيْنَ فَأَدَّاهُ إلَى الْمَوْلَى عَتَقَ أَوْ عَجَزَ عَنْ أَدَائِهِ رُدَّ فِي الرِّقِّ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى مَالٌ مُتَقَوِّمٌ، وَقُدْرَتُهُ عَلَى التَّسْلِيمِ بِمَا يَحْدُثُ لَهُ مِنْ مِلْكٍ فِيهِ مَوْهُومٌ فَتَصِحُّ التَّسْمِيَةُ كَمَا فِي الصَّدَاقِ إذَا سَمَّى عَبْدَ غَيْرِهِ فَتَصِحُّ التَّسْمِيَةُ بِهَذَا الطَّرِيقِ، فَأَمَّا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَقُولُ بِأَنَّ الْعِتْقَ فِي عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ يَكُونُ مَعْقُودًا عَلَيْهِ، وَقُدْرَةُ الْعَاقِدِ عَلَى تَسْلِيمِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ فِي الْعُقُودِ الَّتِي تَحْتَمِلُ الْفَسْخَ، وَمِلْكُ الْغَيْرِ لَيْسَ بِمَقْدُورِ التَّسْلِيمِ لِلْعَبْدِ فَلَا تَصِحُّ تَسْمِيَتُهُ بِخِلَافِ النِّكَاحِ فَشَرْطُ صِحَّةِ التَّسْمِيَةِ هُنَاكَ أَنْ يَكُونَ الْمُسَمَّى مَالًا مُتَقَوِّمًا لَا أَنْ يَكُونَ مَقْدُورَ التَّسْلِيمِ؛ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى التَّسْلِيمِ فِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِالنِّكَاحِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ فَفِيمَا لَيْسَ بِمَقْصُودٍ أَوْلَى.
ثُمَّ رَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ إنْ مَلَكَ ذَلِكَ الْعَيْنَ فَأَدَّى لَمْ يَعْتِقْ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَوْلَى قَالَ لَهُ إذَا أَدَّيْتَ إلَيَّ فَأَنْتَ حُرٌّ فَحِينَئِذٍ يَعْتِقُ بِحُكْمِ التَّعْلِيقِ، وَذَكَرَ اخْتِلَافَ زُفَرَ وَيَعْقُوبَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ قَوْلَ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَذَلِكَ، وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي مَالِكٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَرَوَى أَصْحَابُ الْإِمْلَاءِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ

الصفحة 11