كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 8)

إزَالَةُ مِلْكِهِ فَكَذَلِكَ هُنَا لَا ضَرَرَ عَلَى الْغَائِبِ فِي انْعِقَادِ الْعَقْدِ فِي حَقِّهِ وَلَا فِي عِتْقِهِ عِنْدَ أَدَاءِ الْحَاضِرِ إنَّمَا الضَّرَرُ فِي وُجُوبِ الْبَدَلِ عَلَيْهِ فَلَا يَثْبُتُ هَذَا الْحُكْمُ بِقَبُولِ الْحَاضِرِ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ فَإِنْ أَدَّى الْحَاضِرُ الْمَالَ عَتَقَا لِانْعِقَادِ الْعَقْدِ فِي حَقِّهِمَا وَوُصُولِ جَمِيعِ الْبَدَلِ إلَى الْمَوْلَى سَوَاءٌ قَالَ فِي الْكِتَابَةِ إذَا أَدَّيْتَ فَأَنْتُمَا حُرَّانِ أَوْ لَمْ يَقُلْ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْغَائِبِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ فِي ذِمَّتِهِ شَيْءٌ مِنْ الْبَدَلِ وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا وَأَدَّى هَذَا بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا فَأَوْلَى وَإِنْ مَاتَ الْغَائِبُ لَمْ يُرْفَعْ عَنْ الْحَاضِرِ شَيْءٌ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مَا كَانَ عَلَى الْغَائِبِ شَيْءٌ مِنْ الْبَدَلِ وَلِأَنَّ الْعَقْدَ بَقِيَ فِي حَقِّ الْغَائِبِ بَعْدَ مَوْتِهِ بِبَقَاءِ مَنْ يُؤَدِّي بَدَلَ الْكِتَابَةِ عَنْهُ، وَإِنْ مَاتَ الْحَاضِرُ فَلَيْسَ لِلْمَوْلَى أَنْ يُطَالِبَ الْغَائِبَ بِشَيْءٍ مِنْ الْبَدَلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ لَهُ شَيْئًا وَلِهَذَا كَانَ لَا يُطَالِبُهُ بِشَيْءٍ فِي حَيَاةِ الْحَاضِرِ فَكَذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَكِنْ إنْ قَالَ الْغَائِبُ أَنَا أُؤَدِّي جَمِيعَ الْمُكَاتَبَةِ وَجَاءَ بِهَا وَقَالَ الْمَوْلَى لَا أَقْبَلُهَا فَفِي الْقِيَاسِ لِلْمَوْلَى أَنْ لَا يَقْبَلَ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ غَيْرُ مُطَالَبٍ بِشَيْءٍ مِنْ الْبَدَلِ فَيَسْقُطُ بِمَوْتِ مَنْ عَلَيْهِ حِينَ لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً وَانْفَسَخَ الْعَقْدُ فَبَقِيَ الْغَائِبُ عَبْدًا قِنًّا لِلْمَوْلَى وَكَسْبُهُ لَهُ فَيَكُونُ لَهُ أَنْ لَا يَقْبَلَ الْمُؤَدَّى مِنْهُ بِجِهَةِ الْكِتَابَةِ وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ لَيْسَ لِلْمَوْلَى أَنْ لَا يَقْبَلَ مِنْهُ وَيَعْتِقَانِ جَمِيعًا بِأَدَاءِ هَذَا الْغَائِبِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْعَقْدِ ثَبَتَ فِي حَقِّ الْغَائِبِ فِيمَا لَا يَضُرُّ بِهِ وَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ بِحُكْمِ الْعَقْدِ فِي حَقِّ الْحَاضِرِ فَيَكُونُ الْحَاضِرُ مَعَ الْغَائِبِ هُنَا بِمَنْزِلَةِ مُكَاتَبٍ اشْتَرَى وَلَدَهُ، ثُمَّ مَاتَ.
وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْوَلَدَ هُنَاكَ لَا يُطَالَبُ بِالْبَدَلِ وَلَكِنْ إنْ جَاءَ بِهِ حَالًّا فَأَدَّى عَتَقَا جَمِيعًا فَهَذَا مِثْلُهُ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْحَاضِرَ مَاتَ عَمَّنْ يُؤَدِّي الْبَدَلَ وَيَخْتَارُ ذَلِكَ لِتَحْصِيلِ الْحُرِّيَّةِ لِنَفْسِهِ، وَهُوَ الْغَائِبُ فَتَبْقَى الْكِتَابَةُ بِبَقَائِهِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ حَتَّى إذَا اخْتَارَ الْأَدَاءَ يَكُونُ أَدَاؤُهُ كَأَدَاءِ الْحَاضِرِ وَلَكِنْ لَا يَثْبُتُ الْأَجَلُ فِي حَقِّهِ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ يَنْبَنِي عَلَى وُجُوبِ الْمَالِ فَإِنَّهُ تَأْخِيرٌ لِلْمُطَالَبَةِ وَلَا وُجُوبَ عَلَى الْغَائِبِ.
وَإِذَا كَانَا حَيَّيْنِ فَأَرَادَ الْمَوْلَى بَيْعَ الْغَائِبِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ فِي الِاسْتِحْسَانِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ بِقَبُولِ الْحَاضِرِ تَمَّ السَّبَبُ فِي حَقِّ الْغَائِبِ فِيمَا لَا يَضُرُّهُ وَامْتِنَاعُ بَيْعِهِ عَلَى الْمَوْلَى لَا يَضُرُّهُ فَيُجْعَلُ قَبُولُ الْحَاضِرِ عَنْهُ فِي هَذَا الْحُكْمِ كَقَبُولِهِ بِنَفْسِهِ وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ الْأَصَحَّ هَذَا الطَّرِيقُ دُونَ طَرِيقِ تَعْلِيقِ عِتْقِهِ بِأَدَاءِ الْحَاضِرِ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ تَعْلِيقِ الْعِتْقِ بِالشَّرْطِ لَا يَمْنَعُ بَيْعَ الْمَوْلَى فِيهِ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ.
رَجُلٌ قَالَ لِعَبْدِهِ قَدْ كَاتَبْتُ عَبْدِي فُلَانًا الْغَائِبَ عَلَى كَذَا عَلَى أَنْ تُؤَدِّيَهَا عَنْهُ فَرَضِيَ بِذَلِكَ الْحَاضِرُ فَهَذَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْحَاضِرَ هُنَا مَمْلُوكٌ قِنٌّ لَمْ يُدْخِلْهُ الْمَوْلَى فِي الْكِتَابَةِ، وَالْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنًا وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ بِقَبُولِ الْحَاضِرِ لَا يُمْكِنُ إيجَابُ الْمَالِ فِي ذِمَّةِ الْغَائِبِ

الصفحة 15