كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 9)

حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ كَسَاهُ فَإِنَّ فِعْلَ رَسُولِهِ كَفِعْلِهِ فَإِنْ نَوَى أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْ يَدِهِ إلَى يَدِهِ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ.

وَإِنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ سِلَاحًا فَتَقَلَّدَ سَيْفًا أَوْ تَنَكَّبَ قَوْسًا أَوْ تُرْسًا لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى فِي النَّاسِ لَابِسًا وَإِنَّمَا يُسَمَّى مُتَقَلِّدًا لِلسَّيْفِ أَوْ حَامِلًا لِلسِّلَاحِ أَوْ مُعَلِّقًا لَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَلَوْ لَبِسَ دِرْعَ حَدِيدٍ حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ يُسَمَّى بِهِ لَابِسًا لِلسِّلَاحِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ دِرْعًا فَلَبِسَ دِرْعَ حَدِيدٍ أَوْ دِرْعَ امْرَأَةٍ حَنِثَ؛ لِأَنَّ اسْمَ الدِّرْعِ تَنَاوَلَهُمَا حَقِيقَةً وَعَادَةً فَإِنْ عَنِيَ أَحَدُهُمَا فَقَدْ نَوَى التَّخْصِيصَ فِي اللَّفْظِ الْعَامِّ، وَذَلِكَ صَحِيحٌ، فَلَا يَحْنَثُ إلَّا بِلُبْسِ مَا عَنِيَ.
وَإِنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ شَيْئًا فَلَبِسَ دِرْعَ حَدِيدٍ أَوْ دِرْعَ امْرَأَةٍ أَوْ خُفَّيْنِ أَوْ قَلَنْسُوَةً حَنِثَ فِي كُلِّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى فِعْلِ اللُّبْسِ فِي مَحَلٍّ هُوَ شَيْءٌ وَاسْمُ الشَّيْءِ يَتَنَاوَلُ هَذَا كُلَّهُ، وَفِعْلُ اللُّبْسِ يُوجَدُ فِي كُلِّهَا فَلِهَذَا حَنِثَ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

[بَابُ الْقَضَاءِ فِي الْيَمِينِ]
(قَالَ) وَإِذَا حَلَفَ لَيُعْطِيَنَّ فُلَانًا مَالَهُ رَأْسَ الشَّهْرِ أَوْ عِنْدَ الْهِلَالِ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَلَهُ اللَّيْلَةُ الَّتِي يُهِلُّ فِيهَا الْهِلَالُ وَيَوْمُهَا كُلُّهَا؛ لِأَنَّ الشَّهْرَ جُزْءٌ مِنْ الزَّمَانِ يَشْتَمِلُ عَلَى اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَرَأْسُ كُلِّ شَهْرٍ أَوَّلُهُ، فَأَوَّلُ اللَّيْلَةِ وَأَوَّلُ الْيَوْمِ مِنْ الشَّهْرِ يَكُونُ رَأْسَ الشَّهْرِ، أَلَا تَرَى أَنَّ فِي الْعُرْفِ يُقَالُ: الْيَوْمُ رَأْسُ الشَّهْرِ وَإِنَّمَا أَهَلَّ الْبَارِحَةَ، وَعِنْدَ عِبَارَةٌ عَنْ الْقُرْبِ وَذِكْرُهُ فِي الْمَعْنَى وَذِكْرُ الرَّأْسِ سَوَاءٌ
وَإِنْ حَلَفَ لَيُعْطِيهِ حَقَّهُ صَلَاةَ الظُّهْرِ فَلَهُ وَقْتُ الظُّهْرِ كُلُّهُ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ تُذْكَرُ بِمَعْنَى الْوَقْتِ. قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ لِلصَّلَاةِ أَوَّلًا وَآخِرًا» وَالْمُرَادُ الْوَقْتُ، وَلِأَنَّ الْإِعْطَاءَ إنَّمَا يَكُونُ فِي الزَّمَانِ لَا فِي الصَّلَاةِ فَعَرَفْنَا أَنَّ مُرَادَهُ الْوَقْتُ.
وَإِنْ قَالَ: عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ أَوْ حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ فَهُوَ إلَى أَنْ تَبْيَضَّ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ نَهْي عَنْ الصَّلَاةِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ثُمَّ النَّهْيُ يَمْتَدُّ إلَى أَنْ تَبْيَضَّ.
وَإِنْ قَالَ: ضَحْوَةً فَوَقْتُ الضَّحْوَةِ مِنْ حِينَ تَبْيَضُّ الشَّمْسُ إلَى أَنْ تَزُولَ.
وَإِنْ قَالَ: مَسَاءً فَالْمَسَاءُ مَسَاءَانِ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الزَّوَالِ وَالْآخَرُ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَأَيُّهُمَا نَوَى صَحَّتْ نِيَّتُهُ.
وَإِنْ قَالَ: سَحَرًا فَوَقْتُ السَّحَرِ مِمَّا بَعْدَ ذَهَابِ ثُلُثَيْ اللَّيْلِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي، فَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ حَتَّى مَضَى الْوَقْتُ الَّذِي سَمَّاهُ حَنِثَ لِفَوَاتِ شَرْطِ الْبِرِّ.
وَإِنْ قَالَ: يَوْمَ كَذَا فَلَهُ ذَلِكَ الْيَوْمُ كُلُّهُ فَإِذَا غَابَتْ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَهُ حَنِثَ؛ لِأَنَّ الْيَوْمَ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، أَلَا تَرَى أَنَّ صَوْمَ الْيَوْمِ يَتَأَدَّى بِوُجُودِ الْإِمْسَاكِ فِي هَذَا الْقَدْرِ، وَإِنْ أَعْطَاهُ قَبْلَ

الصفحة 5