كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 10)

سَهْمِهِ وَعَلَيْهِ دَفْعُ الظُّلْمِ عَنْهُ وَلَكِنْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُحَوِّلَ مِلْكَهُ وَحَقَّهُ إلَيْهِ إلَّا أَنَّ حَقَّهُ فِي الْمَالِيَّةِ فَلِمُرَاعَاةِ النَّظَرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ قُلْنَا: تُعَادُ إلَيْهِ الْعَيْنُ بِالْقِيمَةِ لِيَصِلَ الْمُسْتَوْلِي عَلَيْهِ إلَى عَيْنِ مَالِهِ وَيَصِلَ الْآخَرُ إلَى حَقِّهِ فِي الْمَالِيَّةِ وَدَلِيلُ أَنَّ حَقِّهِ فِي الْمَالِيَّةِ أَنَّ لِلْإِمَامِ بَيْعَ الْغَنَائِمِ وَقِسْمَتَهَا بَيْنَ الْغَانِمِينَ.
وَمُرَادُهُ بِالثَّمَنِ الْقِيمَةُ فَالْقِيمَةُ ثَمَنُ التَّعْدِيلِ وَالْمُسَمَّى ثَمَنُ التَّرَاضِي وَلِهَذَا مَكَّنَهُ مِنْ الْأَخْذِ مِنْ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ لِأَنَّ حَقَّ الْمُشْتَرِي فِيمَا أَعْطَى مِنْ مَالِهِ وَهُوَ الثَّمَنُ فَيُنْظَرُ لَهُ فِي ذَلِكَ كَمَا يُنْظَرُ لِلْمُسْتَوْلِي عَلَيْهِ فِي إعَادَةِ مَالِهِ إلَيْهِ وَعَنْ الشَّعْبِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جَعَلَ أَهْلَ السَّوَادِ ذِمَّةً الْمُرَادُ سَوَادُ الْعِرَاقِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ إذَا فَتَحَ بَلْدَةً عَنْوَةً وَقَهْرًا فَلَهُ أَنْ يَجْعَلَ أَهْلَهَا ذِمَّةً وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ عَلَى جَمَاجِمِهِمْ وَالْخَرَاجَ عَلَى أَرَاضِيِهِمْ كَمَا فَعَلَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَإِنَّهُ افْتَتَحَ السَّوَادَ عَنْوَةً وَقَهْرًا وَذَلِكَ مَشْهُورٌ فِي كُتُبِ الْمَغَازِي وَفِيهِ أَشْعَارٌ وَقَدْ كَانَ صَاحِبُ جَيْشِ الْعَجَمِ رُسْتُمَ بْنَ فَرْخٍ هُرْمُزَانَ وَقُتِلَ فِي الْحَرْبِ وَأَنْشَدَ الْأَعْرَابِيُّ الَّذِي قَتَلَهُ فَقَالَ
أَلَمْ تَرَ أَنِّي حَمَيْت الذِّمَارَ ... وَأَبْقَيْت مَكْرُمَةً فِي الْأُمَمْ
غَدَاةَ الْهَزِيمَةِ إذْ رُسْتُمُ ... يَسُوقُ الْفَوَارِسَ سَوْقَ النَّعَمْ
رَمَانِي بِسَهْمٍ وَقَدْ نِلْتُهُ ... فَصَّك الرِّكَابَ بِبَطْنِ الْقَدَمْ
وَأَضْرِبُ بِالسَّيْفِ يَافُوخَهُ ... فَكَانَتْ لَعَمْرِي فَتْحُ الْعَجَمْ
وَقَدْ كَانَ صَاحِبُ جَيْشِ الْمُسْلِمِينَ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَكَانَ قَدْ خَرَجَ بِهِ دَمَامِيلُ فَلَمْ يَحْضُرْ الْحَرْبَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ قَائِلُهُمْ:
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ نَصْرَهُ ... وَسَعْدٌ بِبَابِ الْقَادِسِيَّةِ مُعْصِمُ
فَأُبْنَا وَقَدْ آمَتْ نِسَاءٌ كَثِيرَةٌ ... وَنِسْوَةُ سَعْدٍ لَيْسَ فِيهِنَّ أَيِّمُ
وَإِنَّمَا بَيَّنَّا هَذَا لِأَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - يُنْكِرُونَ فَتْحَ السَّوَادِ عَنْوَةً.
وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي كِتَابِهِ: لَا أَدْرِي مَاذَا أَقُولُ فِي سَوَادِ الْكُوفَةِ وَلَكِنِّي أَقُولُ قَوْلًا بِظَنٍّ مَقْرُونٍ إلَى عِلْمٍ وَهَذَا جَهْلٌ وَتَنَاقُضٌ مِنْ قَائِلِهِ فَإِنَّ الظَّنَّ أَنْ يَتَرَجَّحَ أَحَدُ الْجَانِبَيْنِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ فَكَيْفَ يَكُونُ عِلْمًا وَفَتْحُ السَّوَادِ عَنْوَةً وَقَهْرًا أَشْهُرُ مِنْ أَنْ يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ حَتَّى يَحْتَاجَ إلَى هَذَا التَّكَلُّفِ وَرُبَّمَا يَقُولُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَلَّكَ الْأَرَاضِيَ لِلْمُسْلِمِينَ وَاسْتَرَقَّهُمْ ثُمَّ تَرَكَهُمْ لِيَعْمَلُوا فِي أَرَاضِيِ الْمُسْلِمِينَ وَمَا جَعَلَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْخَرَاجِ وَالْجِزْيَةِ بِمَنْزِلَةِ

الصفحة 15