كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 10)

بَيْعِ الْمُكَاتَبِ بِغَيْرِ رِضَاهُ وَلَا يَنْبَغِي لِلْمَوْلَى أَنْ يَطَأَ شَيْئًا مِنْهُنَّ بِالْمِلْكِ إلَّا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فَإِنْ تَزَوَّجَهَا فَلَا بَأْسَ بِوَطْئِهَا لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ حُرَّةً فَالنِّكَاحُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا صَحِيحٌ وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَهِيَ حَلَالٌ لَهُ بِالْمِلْكِ فَهِيَ إمَّا زَوْجَتُهُ أَوْ أَمَتُهُ فَلَهُ أَنْ يَقْرَبَهَا وَلَوْ أَنَّ قَوْمًا كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جَارِيَةٌ فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمْ جَارِيَتَهُ ثُمَّ لَمْ يَعْرِفُوا الْمُعْتَقَةَ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَطَأَ جَارِيَتَهُ حَتَّى يَعْلَمَ الْمُعْتَقَةَ بِعَيْنِهَا لِأَنَّا عَلِمْنَا قِيَامَ الْمِلْكِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي جَارِيَتِهِ وَحِلَّ وَطْئِهَا لَهُ وَلَمْ نَتَيَقَّنْ بِاكْتِسَابِ سَبَبِ الْحُرْمَةِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَلَهُ أَنْ يَتَمَسَّكَ بِمَا يَتَيَقَّنُ بِهِ لِأَنَّ الْيَقِينَ لَا يُزَالُ بِالشَّكِّ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا هُنَاكَ بِاكْتِسَابِ سَبَبِ الْحُرْمَةِ مِنْ الْمَوْلَى فِي بَعْضِهِنَّ فَلَيْسَ لَهُ الْإِقْدَامُ عَلَى الْوَطْءِ مَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الْمَوْطُوءَةَ خَارِجَةٌ عَنْ تِلْكَ الْحُرْمَةِ.
وَهَذَا لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالْحُرْمَةِ يَصِحُّ عَلَى الْمَعْلُومِ دُونَ الْمَجْهُولِ فَفِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ الْمَوْلَى وَهُوَ مَعْلُومٌ فَالْجَهَالَةُ فِي جَانِبِ الْجَوَارِي لَا يَمْنَعُ الْقَضَاءَ بِحُرْمَةٍ هِيَ حَقُّ الشَّرْعِ وَهُنَا الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ بِالْحُرْمَةِ مِنْ الْمَوَالِي مَجْهُولٌ وَلَا يُمْكِنُ الْقَضَاءُ عَلَى الْمَجْهُولِ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَتَمَسَّكَ فِي جَارِيَتِهِ بِالْحِلِّ الَّذِي تَيَقَّنَ بِهِ حَتَّى يَعْلَمَ خِلَافَهُ فَإِنْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِ أَحَدِهِمْ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَعْتَقَ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَا يَقْرَبَهَا وَإِنْ قَرِبَ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَلَيْهِ حَرَامًا حَتَّى يَسْتَيْقِنَ لِأَنَّ أَكْبَرَ الرَّأْيِ يُوجِبُ الِاحْتِيَاطَ وَلَا يُزِيلُ الْمِلْكَ وَالْحُرْمَةُ فِي هَذَا الْمَحَلِّ بِاعْتِبَارِ زَوَالِ الْمِلْكِ وَذَلِكَ لَا يَثْبُتُ بِأَكْبَرِ الرَّأْيِ وَلَوْ اشْتَرَاهُنَّ جَمِيعًا رَجُلٌ وَاحِدٌ قَدْ عَلِمَ ذَلِكَ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَقْرَبَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ حَتَّى يَعْرِفَ الْمُعْتَقَةَ أَمَّا إذَا اشْتَرَاهُنَّ بِعَقْدٍ وَاحِدٍ فَهَذَا الْبَيْعُ بَاطِلٌ لِأَنَّ فِيهِ الْجَمْعَ بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْإِمَاءِ وَبَيْعَ الْكُلِّ بِثَمَنٍ وَاحِدٍ.
وَإِنْ اشْتَرَاهُنَّ بِعُقُودٍ مُتَفَرِّقَةٍ فَنَقُولُ: لَمَّا اجْتَمَعْنَ عِنْدَهُ وَهُوَ مُتَيَقِّنٌ بِأَنَّ إحْدَاهُنَّ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ كَانَ هَذَا وَمَا لَوْ كَانَ الْمَوْلَى فِي الِابْتِدَاءِ وَاحِدًا سَوَاءً لِأَنَّ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ مَعْلُومٌ هُنَا وَلَوْ اشْتَرَاهُنَّ إلَّا وَاحِدَةً حَلَّ لَهُ وَطْؤُهُنَّ لِأَنَّهُ لَا يَتَيَقَّنُ بِالْحُرْمَةِ فِيمَا اُشْتُرِيَ فَلَعَلَّ الْمُعْتَقَةَ تِلْكَ الْوَاحِدَةُ الَّتِي لَمْ يَشْتَرِهَا فَلَا يَصِيرُ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ بِالْحُرْمَةِ مَعْلُومًا بِهَذَا فَإِنْ وَطِئَهُنَّ ثُمَّ اشْتَرَى الْبَاقِيَةَ لَمْ يَحِلَّ لَهُ وَطْءُ شَيْءٍ مِنْهُنَّ وَلَا بَيْعُهُ حَتَّى يَعْلَمَ الْمُعْتَقَةَ مِنْهُنَّ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ إحْدَاهُنَّ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ وَلَيْسَ لِمَا سَبَقَ مِنْ الْوَطْءِ تَأْثِيرٌ فِي تَمْيِيزِ الْمُعْتَقَةِ مِنْ غَيْرِ الْمُعْتَقَةِ لِأَنَّهُ لَا طَرِيقَ لِذَلِكَ إلَّا التَّذَكُّرُ وَالْوَطْءُ لَيْسَ مِنْ التَّذَكُّرِ فِي شَيْءٍ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي أَحَدَ أَصْحَابِ الْجَوَارِي لِأَنَّهُنَّ قَدْ اجْتَمَعْنَ عِنْدَهُ فَصَارَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ بِالْحُرْمَةِ مَعْلُومًا ثُمَّ أَعَادَ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى لِإِيضَاحِ مَا بَيَّنَّا أَنَّ التَّحَرِّيَ لَا يَجُوزُ فِي الْفُرُوجِ فَقَالَ: لَوْ مَاتَ الْمَوْلَى بَعْدَمَا أَعْتَقَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ بِعَيْنِهَا وَنَسِيَهَا فَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَتَحَرَّى

الصفحة 204