كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 10)

وَلَا يَأْمُرُ الْوَرَثَةَ بِذَلِكَ أَيْضًا فِي تَعْيِينِ الْمُعْتَقَةِ حَتَّى لَا يَقُولَ لَهُمْ أَعْتِقُوا الَّتِي أَكْبَرُ رَأْيِكُمْ أَنَّهَا حُرَّةٌ وَأَعْتِقُوا أَيَّتَهنَّ شِئْتُمْ وَكَيْف يَقُولُ لَهُمْ ذَلِكَ وَالْعِتْقُ الْوَاقِعُ عَلَى شَخْصٍ بِعَيْنِهِ لَا يُتَصَوَّرُ انْتِقَالُهُ إلَى شَخْصٍ آخَرَ بِحَالٍ وَلَكِنَّهُ يَسْأَلُهُمْ عَنْ ذَلِكَ فَإِنْ زَعَمُوا أَنَّ الْمَيِّتَ أَعْتَقَ فُلَانَةَ بِعَيْنِهَا أَعْتَقَهَا وَاسْتَحْلَفَهُمْ عَلَى عِلْمِهِمْ فِي الْبَاقِيَاتِ لِأَنَّهُمْ خُلَفَاءُ الْمُوَرِّثِ وَخَبَرُهُمْ كَخَبَرِ الْمُوَرِّثِ أَنَّ الْمُعْتَقَةَ هَذِهِ إلَّا أَنَّ الْيَمِينَ فِي حَقِّهِمْ عَلَى الْعِلْمِ لِأَنَّهُ اسْتِخْلَافٌ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ فَإِنْ لَمْ يَعْرِفُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ أَعْتَقَهُنَّ جَمِيعًا وَأَبْطَلَ مِنْ قِيمَتِهِنَّ قِيمَةَ وَاحِدَةٍ بَيْنَهُنَّ بِالْحِصَصِ وَيَسْعَيْنَ فِيمَا بَقِيَ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ اسْتِدَامَةُ الْمِلْكِ فِيهِنَّ لِحَقِّ الشَّرْعِ فَيَخْرُجْنَ إلَى الْحُرِّيَّةِ بِالسِّعَايَةِ كَأُمِّ وَلَدِ النَّصْرَانِيَّةِ أَسْلَمَتْ تَخْرُجُ إلَى الْحُرِّيَّةِ بِالسِّعَايَةِ إلَّا أَنَّهُ يُسْقِطُ عَنْهُنَّ مَا يَتَيَقَّنُ بِسُقُوطِهِ وَهُوَ قِيمَةُ وَاحِدَةٍ

ثُمَّ خَتَمَ الْكِتَابَ بِهَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ ذَكَرَ بَابًا مِنْ كِتَابِ الْإِجَارَاتِ وَكَأَنَّهُ تَذَكَّرَ تِلْكَ الْمَسَائِلَ حِينَ صَنَّفَ هَذَا الْكِتَابَ فَأَثْبَتَهَا لَكِيلَا يَفُوتَ فَقَالَ رَجُلٌ أَجَّرَ عَبْدَهُ مِنْ رَجُلٍ سَنَةً بِمِائَةِ دِرْهَمٍ لِلْخِدْمَةِ فَخَدَمَهُ سِتَّةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى فَالْعِتْقُ نَافِذٌ لِقِيَامِ الْمِلْكِ فِي رَقَبَتِهِ وَحَقُّ الْمُسْتَأْجِرِ إنَّمَا يَثْبُتُ فِي الْمَنْفَعَةِ دُونَ الرَّقَبَةِ وَلَا تَأْثِيرَ لِمَا اسْتَحَقَّهُ مِنْ الْيَدِ إلَّا فِي عَجْزِ الْمَوْلَى عَنْ تَسْلِيمِهِ وَالْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِنُفُوذِ الْعِتْقِ حَتَّى يَنْفُذَ الْعِتْقُ فِي الْآبِقِ وَالْجَنِينِ فِي الْبَطْنِ ثُمَّ يَتَخَيَّرُ الْعَبْدُ فِي فَسْخِ الْإِجَارَةِ لِأَنَّ عَلَى إحْدَى الطَّرِيقَيْنِ الْإِجَارَةُ فِي حُكْمِ عُقُودٍ مُتَفَرِّقَةٍ يَتَجَدَّدُ انْعِقَادُهَا بِحَسَبِ مَا يَحْدُثُ مِنْ الْمَنْفَعَةِ وَلَوْ أَجَّرَهُ ابْتِدَاءً بَعْدَ الْعِتْقِ لَا يَلْزَمُ الْعَقْدُ إلَّا بِرِضَاهُ فَكَذَلِكَ لَا يَتَجَدَّدُ انْعِقَادُ الْعَقْدِ لَازِمًا بَعْدَ الْعَقْدِ إلَّا بِرِضَاهُ وَعَلَى الطَّرِيقِ الْآخَرِ الْعَقْدُ وَإِنْ انْعَقَدَ جُمْلَةً فَهُوَ يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بِعُذْرٍ وَالْعُذْرُ قَدْ تَحَقَّقَ هُنَا لِأَنَّ لُزُومَ تَسْلِيمِ النَّفْسِ لِلْخِدْمَةِ بَعْدَ الْعِتْقِ بِعَقْدٍ بَاشَرَهُ الْمَوْلَى يُلْحِقُ الشَّيْنَ بِهِ وَيَكُونُ ذَلِكَ عُذْرًا لَهُ فِي فَسْخِ الْإِجَارَةِ أَرَأَيْت لَوْ تَفَقَّهَ وَقُلِّدَ الْقَضَاءَ أَكَانَ يُجْبَرُ عَلَى الْخِدْمَةِ بِسَبَبِ ذَلِكَ الْعَقْدِ يُقَرِّرُهُ أَنَّ فِي إجَارَةِ النَّفْسِ لِلْخِدْمَةِ كَدًّا وَتَعَبًا فَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْمَوْلَى عَلَى الْعَبْدِ إلَّا فِي مَنَافِعَ مَمْلُوكَةٍ لِلْمَوْلَى وَالْمَنَافِعُ بَعْدَ الْعِتْقِ تَحْدُثُ عَلَى مِلْكِ الْعَبْدِ فَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ بِظُهُورِ هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْمِلْكِ لَهُ كَالْمَنْكُوحَةِ إذَا أُعْتِقَتْ يَثْبُتُ لَهَا الْخِيَارُ لِمِلْكِهَا أَمْرَ نَفْسِهَا أَوْ زِيَادَةِ مِلْكِ الزَّوْجِ عَلَيْهَا فَإِنْ فَسَخَ الْعَقْدَ فَأَجْرُ مَا مَضَى لِلْمَوْلَى لِأَنَّ مَا يُقَابِلُهُ اُسْتُوْفِيَ عَلَى مِلْكِهِ بِعَقْدِهِ وَإِنْ مَضَى عَلَى الْإِجَارَةِ فَلِلْعَبْدِ أَجْرُ مَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ لِأَنَّهُ بَدَلُ مَا هُوَ مَمْلُوكٌ لِلْعَبْدِ فَإِنَّ الْمَنَافِعَ بَعْدَ الْعِتْقِ تَحْدُثُ عَلَى مِلْكِهِ وَالْبَدَلُ إنَّمَا يُمْلَكُ بِمِلْكِ الْأَصْلِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْمَنْكُوحَةِ فَإِنَّهَا إذَا لَمْ تَخْتَرْ نَفْسَهَا بَعْدَ الْعِتْقِ فَالصَّدَاقُ لِلْمَوْلَى وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الْعِتْقِ لِأَنَّ الصَّدَاقَ وَجَبَ بِالْعَقْدِ جُمْلَةً وَاسْتَحَقَّهُ

الصفحة 205