كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 10)

يُمْكِنُهُ أَنْ يُحَوِّلَ يَدَهُ يَدَ مِلْكٍ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى أَنَّهُ ابْنُهُ لِأَنَّ ذَلِكَ إقْرَارٌ لِلَّقِيطِ بِمَا يَنْفَعُهُ، وَهَذَا دَعْوَى عَلَيْهِ بِمَا يَضُرُّهُ، وَهُوَ تَبْدِيلُ صِفَةِ الْمَالِكِيَّةِ بِالْمَمْلُوكِيَّةِ.

وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا وَجَدَ لَقِيطًا مَعَهُ مَالٌ فَوَضَعَهُ الْقَاضِي عَلَى يَدِهِ، وَقَالَ أَنْفِقْ عَلَيْهِ مِنْهُ فَهُوَ جَائِزٌ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَالَ لِلَّقِيطِ فَإِنَّهُ مَوْجُودٌ مَعَهُ فَكَانَتْ يَدُهُ أَسْبَقَ إلَيْهِ مِنْ يَدِ غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا يُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ، وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ وَاضِعَهُ وَضَعَ ذَلِكَ الْمَالَ لِيُنْفِقَ عَلَيْهِ مِنْهُ، وَالْبِنَاءُ عَلَى الظَّاهِرِ جَائِزٌ مَا لَمْ يَظْهَرْ خِلَافُهُ، وَهُوَ مُصَدَّقٌ فِي نَفَقَةِ مِثْلِهِ لِأَنَّهُ أَمِينٌ يُخْبِرُ بِمَا هُوَ مُحْتَمَلٌ، وَيُنْكِرُ وُجُوبَ الضَّمَانِ عَلَيْهِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ كَمَنْ دَفَعَ إلَى إنْسَانٍ مَالًا، وَأَمَرَهُ بِأَنْ يُنْفِقَ عَلَى عِيَالِهِ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي نَفَقَةِ مِثْلِهِمْ، وَمَا اشْتَرَى مِنْ طَعَامٍ أَوْ كِسْوَةٍ فَهُوَ جَائِزٌ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَمَّا أَمَرَهُ بِإِنْفَاقِ الْمَالِ عَلَيْهِ فَقَدْ أَمَرَهُ بِأَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ، وَلِلْقَاضِي عَلَيْهِ هَذِهِ الْوِلَايَةُ فَكَذَلِكَ مَا يَمْلِكُهُ الْمُلْتَقِطُ بِأَمْرِ الْقَاضِي.

وَإِذَا مَاتَ اللَّقِيطُ وَتَرَكَ مِيرَاثًا أَوْ لَمْ يَتْرُكْ فَادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ ابْنُهُ لَمْ يُصَدَّقْ لِأَنَّ نَسَبَهُ لَا يَثْبُتُ بَعْدَ الْمَوْتِ فَإِنَّ حُكْمَ النَّسَبِ وُجُوبُ الِانْتِسَابِ، وَالْمَقْصُودُ بِهِ الشَّرَفُ، وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلِأَنَّ صِحَّةَ الدَّعْوَةِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ، وَهُوَ بِالْمَوْتِ قَدْ اسْتَغْنَى عَنْ النَّسَبِ فَبَقِيَ كَلَامُهُ دَعْوَى الْمِيرَاثِ فَلَا يُصَدَّقُ إلَّا بِحُجَّةٍ.

وَإِذَا أَدْرَكَ اللَّقِيطُ كَافِرًا، وَقَدْ وُجِدَ فِي مِصْرٍ مِنْ أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ حُبِسَ، وَأُجْبِرَ عَلَى الْإِسْلَامِ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّهُ لَمَّا وُجِدَ فِي مِصْرٍ مِنْ أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ فَقَدْ حُكِمَ لَهُ بِالْإِسْلَامِ بِاعْتِبَارِ الْمَكَانِ فَإِنَّهُ مَكَانُ الْمُسْلِمِينَ، وَمَنْ حُكِمَ لَهُ بِالْإِسْلَامِ تَبَعًا لِغَيْرِهِ إذَا أَدْرَكَ كَافِرًا يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَلَا يُقْتَلُ اسْتِحْسَانًا كَالْمَوْلُودِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إذَا بَلَغَ مُرْتَدًّا. وَفِي الْقِيَاسِ يُقْتَلُ إنْ أَبَى أَنْ يُسْلِمَ لِأَنَّهُ كَانَ مَحْكُومًا بِإِسْلَامِهِ فَيُقْتَلُ عَلَى الرِّدَّةِ كَمَا لَوْ وَصَفَ الْإِسْلَامَ بِنَفْسِهِ قَبْلَ الْبُلُوغِ ثُمَّ ارْتَدَّ، وَلَكِنْ فِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يُقْتَلُ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْإِسْلَامِ تَكُونُ بِالِاعْتِقَادِ بِالْقَلْبِ، وَالْإِقْرَارِ بِاللِّسَانِ، وَقَدْ انْعَدَمَ ذَلِكَ مِنْهُ فَيَصِيرُ هَذَا شُبْهَةٌ فِي إسْقَاطِ الْقَتْلِ الَّذِي هُوَ نِهَايَةٌ فِي الْعُقُوبَةِ فِي الدُّنْيَا، وَهَذَا لِأَنَّ ثُبُوتَ حُكْمِ الْإِسْلَامِ لَهُ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ كَانَ لِتَوْفِيرِ الْمَنْفَعَةِ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ فِي الْقَتْلِ مَعْنَى تَوْفِيرِ الْمَنْفَعَةِ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا نَقُولُ فِي الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ إذَا أَسْلَمَ يَحْسُنُ إسْلَامُهُ ثُمَّ إذَا بَلَغَ مُرْتَدًّا يُحْبَسُ، وَيُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَلَا يُقْتَلُ فَإِنْ مَاتَ هَذَا اللَّقِيطُ قَبْلَ أَنْ يَعْقِلَ صَلَّيْت عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ وَجَدَهُ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ لِأَنَّهُ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِلْمَكَانِ فَيُصَلَّى عَلَيْهِ إذَا مَاتَ كَالصَّبِيِّ إذَا سُبِيَ وَأُخْرِجَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، وَلَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ مِنْ أَبَوَيْهِ يُصَلَّى عَلَيْهِ إذَا مَاتَ.

(قَالَ) وَلَوْ كَانَ وُجِدَ فِي بِيعَةٍ أَوْ كَنِيسَةٍ أَوْ قَرْيَةٍ لَيْسَ

الصفحة 214