كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 10)

الْبِقَاعِ الْمُضَافَةِ إلَيْهِ خَالِصًا وَلَسْنَا نَأْخُذُ بِهَذَا فَذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى لَيْسَ لِلِاسْتِحْقَاقِ لِأَنَّ الدُّنْيَا بِمَا فِيهَا لِلَّهِ تَعَالَى وَلَكِنْ لِلتَّبَرُّكِ أَوْ لِتَشْرِيفِ هَذَا الْمَالِ لِأَنَّ إضَافَةَ شَيْءٍ مِنْ الدُّنْيَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْخُصُوصِ لِمَعْنَى التَّشْرِيفِ كَالْمَسَاجِدِ وَالنَّاقَةِ وَهَذَا الْمَعْنَى يَتَحَقَّقُ فِي الْغَنِيمَةِ لِأَنَّهَا أُصِيبَتْ بِطَرِيقٍ فِيهِ إعْلَاءُ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِعْزَازُ دِينِهِ وَأَمَّا سَهْمُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ كَانَ ثَابِتًا فِي حَيَاتِهِ وَسَقَطَ بِمَوْتِهِ عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هُوَ بَاقٍ يُصْرَفُ إلَى كُلِّ خَلِيفَةٍ بَعْدَهُ لِأَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ ذَلِكَ السَّهْمَ فِي حَيَاتِهِ لِيَسْتَعِينَ بِهِ فِي جَوَائِزِ الْوُفُودِ وَالرُّسُلِ كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَاَللَّهِ مَا يَحِلُّ لِي مِنْ غَنَائِمِكُمْ إلَّا الْخُمُسُ وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ فِيكُمْ» وَالْخَلِيفَةُ بَعْدَهُ مُحْتَاجٌ إلَى مِثْلِ مَا كَانَ هُوَ مُحْتَاجًا إلَيْهِ فَيُصْرَفُ هَذَا السَّهْمُ إلَيْهِ وَلَكِنَّا نَقُولُ: الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ بَعْدَهُ لَمْ يَرْفَعُوا هَذَا السَّهْمَ لِأَنْفُسِهِمْ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ كَانَ لَهُ بِدَرَجَةِ الرِّسَالَةِ لَا بِالْقِيَامِ بِأُمُورِ النَّاسِ وَذَلِكَ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي الْخُلَفَاءِ بَعْدَهُ وَلَمَّا اجْتَمَعَ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لِيَفْرِضُوا لِأَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَدْرَ كِفَايَتِهِ لَمْ يَجْعَلُوا ذَلِكَ مِنْ هَذَا السَّهْمِ وَلِأَنَّهُ كَانَ لَهُ مِنْ الْغَنَائِمِ ثَلَاثُ حُظُوظٍ خُمُسُ الْخُمُسِ وَالصَّفِيُّ وَالسَّهْمُ ثُمَّ الْخَلِيفَةُ لَا يُقَامُ مَقَامَهُ فِي اسْتِحْقَاقِ الصَّفِيِّ فَكَذَلِكَ فِي اسْتِحْقَاقِ خُمُسِ الْخُمُسِ وَالصَّفِيُّ شَيْءٌ نَفِيسٌ كَانَ يَصْطَفِيهِ لِنَفْسِهِ مِنْ سَيْفٍ أَوْ فَرَسٍ أَوْ جَارِيَةٍ.
كَمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اصْطَفَى ذَا الْفَقَارِ مِنْ غَنَائِمِ بَدْرٍ» وَكَانَ سَيْفًا لِمُنَبِّهِ بْنِ الْحَجَّاجِ بِخِلَافِ مَا يَزْعُمُ الرَّوَافِضُ أَنَّهُ نَزَلَ مِنْ السَّمَاءِ لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَاصْطَفَى صَفِيَّةَ مِنْ غَنَائِمِ خَيْبَرَ وَهَذَا شَيْءٌ كَانَ لِرَأْسِ الْجَيْشِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَمَا قَالَ الْقَائِلُ:
لَك الْمِرْبَاعُ مِنْهَا وَالصَّفَايَا ... وَحُكْمُك وَالنَّشِيطَةُ وَالْفُصُولُ
فَأَمَّا سَهْمُ ذَوِي الْقُرْبَى فَقَدْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصْرِفُهُ إلَيْهِمْ فِي حَيَاتِهِ وَهُمْ صُلْبِيَّةُ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ» وَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ ذَلِكَ بَعْدَهُ عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هُوَ مُسْتَحَقٌّ لَهُمْ يُجْمَعُونَ مِنْ أَقْطَارِ الْأَرْضِ فَيُقَسَّمُ بَيْنَ ذُكُورِهِمْ وَإِنَاثِهِمْ بِالسَّوِيَّةِ وَكَانَ الْكَرْخِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ: إنَّمَا سَقَطَ بِمَوْتِهِ هَذَا السَّهْمُ فِي حَقِّ الْأَغْنِيَاءِ مِنْهُمْ دُونَ الْفُقَرَاءِ وَالطَّحَاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَانَ يَقُولُ سَقَطَ فِي حَقِّ الْفُقَرَاءِ وَالْأَغْنِيَاءِ مِنْهُمْ جَمِيعًا وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ: لَمْ يَكُنْ لَهُمْ هَذَا السَّهْمُ مُسْتَحَقًّا بِالْقَرَابَةِ بَلْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصْرِفُهُ إلَيْهِمْ مُجَازَاةً عَلَى النُّصْرَةِ الَّتِي كَانَتْ مِنْهُمْ» وَلَمْ يَبْقَ ذَلِكَ الْمَعْنَى بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالِاعْتِمَادُ عَلَى هَذَا وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - اسْتَدَلَّ

الصفحة 9