كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 11)

عَسَّلَتْ فِي أَرْضِ رَجُلٍ فَهُوَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهَا أَلْقَتْ ذَلِكَ لِلتَّرْكِ وَالْقَرَارِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ طِينٍ مُجْتَمِعٍ فِي أَرْضِ رَجُلٍ مِنْ السَّيْلِ يَكُونُ لَهُ.
قَالَ: (مَا لَمْ يُحْرِزْهُ صَاحِبُ الدَّارِ بِالْقَبْضِ عَلَيْهِ أَوْ إغْلَاقِ بَابٍ لِيُحْرِزَهُ بِهِ بِحَيْثُ يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ بِغَيْرِ صَيْدٍ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ تَمَّ إحْرَازُهُ) ثُمَّ الْآخِذُ إنَّمَا أَخَذَ صَيْدًا مَمْلُوكًا فَعَلَيْهِ رَدُّهُ عَلَى مَالِكِهِ كَمَنْ نَصَبَ شَبَكَةً فَوَقَعَ فِيهَا صَيْدٌ ثُمَّ أَخَذَهُ إنْسَانٌ آخَرُ فَعَلَيْهِ رَدُّهُ عَلَى صَاحِبِ الشَّبَكَةِ.

(وَلَوْ تَكَسَّرَ صَيْدٌ فِي أَرْضِ إنْسَانٍ فَصَارَ بِحَيْثُ لَا يَسْتَطِيعُ بَرَاحًا أَوْ رَمَى صَيْدًا فَوَقَعَ فِي أَرْضِ رَجُلٍ لَا يُدْرَى مَنْ رَمَاهُ فَأَخَذَهُ رَجُلٌ آخَرُ فَهُوَ لِلَّذِي أَخَذَهُ) لِأَنَّ الْإِحْرَازَ مِنْ الْأَخْذِ، وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ جِهَةِ صَاحِبِ الْمِلْكِ إحْرَازٌ لَهُ، وَإِنْ عَجَزَ الصَّيْدُ عَنْ الطَّيَرَانِ بِمَا أَصَابَهُ، وَالْمُبَاحُ إنَّمَا يُمْلَكُ بِالْإِحْرَازِ.

قَالَ: (وَكُلُّ مَنْ اصْطَادَ سَمَكًا مِنْ نَهْرٍ جَارٍ لِرَجُلٍ فَهُوَ لِلَّذِي أَخَذَهُ)؛ لِأَنَّ صَاحِبَ النَّهْرِ مَا صَارَ مُحْرِزًا لَهُ بَلْ هُوَ صَيْدٌ فِي نَهْرِهِ فَالْمُحْرِزُ لَهُ مَنْ اصْطَادَهُ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ أَجَمَةً لَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِ صَيْدِهَا إلَّا بِالِاصْطِيَادِ فَصَاحِبُ الْأَجَمَةِ صَارَ مُحْرِزًا لِمَا حَصَلَ فِيهَا مِنْ السَّمَكِ، إنَّمَا الْمُحْرِزُ الْآخِذُ، فَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الْأَجَمَةِ احْتَالَ لِذَلِكَ حَتَّى أَخْرَجَ الْمَاءَ، وَبَقِيَ السَّمَكُ فَهُوَ لِصَاحِبِ الْأَجَمَةِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُحْرِزًا بِمَا صَنَعَ فَالسَّمَكُ عَلَى الْيَبَسِ لَا يَكُونُ صَيْدًا، فَإِذَا صَارَ بِفِعْلِهِ بِحَيْثُ يَتَمَكَّنُ مِنْ أَخْذِهِ مِنْ غَيْرِ صَيْدٍ فَهُوَ مُحْرِزٌ لَهُ.

قَالَ: (وَإِذَا عَجَزَ الْمُسْلِمُ عَنْ مَدِّ قَوْسِهِ وَأَعَانَهُ مَجُوسِيٌّ عَلَى مَدِّهِ لَمْ يَحِلَّ الصَّيْدُ) لِاجْتِمَاعِ الْمُوجِبِ لِلْحَظْرِ، وَالْمُوجِبِ لِلْحِلِّ، فَإِنَّ فِعْلَ الْمَجُوسِيِّ مِنْ جِنْسِ فِعْلِ الْمُسْلِمِ فَتَحَقَّقَتْ الْمُشَارَكَةُ بَيْنَهُمَا، كَمَا لَوْ أَخَذَ مَجُوسِيٌّ بِيَدِ الْمُسْلِمِ فَذَبَحَ، وَالسِّكِّينُ فِي يَدِ الْمُسْلِمِ.

قَالَ: (وَإِذَا أَصَابَ السَّهْمُ الصَّيْدَ فَوَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ وَمَاتَ حَلَّ أَكْلُهُ اسْتِحْسَانًا) وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَحِلُّ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مَاتَ بِوُقُوعِهِ عَلَى الْأَرْضِ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذَا مِمَّا لَا يُسْتَطَاعُ الِامْتِنَاعُ عَنْهُ إذْ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ أَنْ يَرْمِيَهُ عَلَى وَجْهٍ يَبْقَى فِي الْهَوَاءِ، وَلَا يَسْقُطُ وَإِنْ وَقَعَ فِي مَاءٍ أَوْ عَلَى جَبَلٍ، ثُمَّ وَقَعَ مِنْهُ عَلَى الْأَرْضِ وَمَاتَ لَمْ يُؤْكَلْ، وَفِي الْوُقُوعِ فِي الْمَاءِ أَثَرٌ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَفِي حَدِيثٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَقَدْ بَيَّنَّا، وَلِأَنَّ مِنْ الْجَائِزِ أَنَّ الْمَاءَ قَتَلَهُ، وَهَذَا يُسْتَطَاعُ الِامْتِنَاعُ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ إنْ وَقَعَ عَلَى جَبَلٍ ثُمَّ مِنْهُ عَلَى الْأَرْضِ، فَهَذَا مُتَرَدٍّ، وَمِنْ الْجَائِزِ أَنَّ التَّرَدِّي قَتَلَهُ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي جُمْلَةِ الْمُحَرَّمَاتِ: {وَالْمُتَرَدِّيَةُ} [المائدة: 3] وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا أَصَابَهُ قَبْلَ أَنْ يَسْتَقِرَّ عَلَى مَكَانِهِ الَّذِي يَمُوتُ عَلَيْهِ يَعْنِي وَقَعَ عَلَى شَجَرَةٍ ثُمَّ وَقَعَ مِنْهَا عَلَى الْأَرْضِ، وَإِنْ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ

الصفحة 251