كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 12)

الصِّفَةِ وَهَذَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْعَقْدِ الْمَالِيَّةِ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ الْقِيَاسُ يَمْنَعُ التَّحَالُفَ تَرَكْنَا ذَلِكَ بِالسُّنَّةِ وَإِنَّمَا جَاءَتْ السُّنَّةُ بِالتَّحَالُفِ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ فِيمَا هُوَ مِنْ صُلْبِ الْعَقْدِ وَهُوَ الْبَدَلُ فَأَمَّا الْمَكَانُ لَيْسَ مِنْ صُلْبِ الْعَقْدِ فَالِاخْتِلَافُ فِيهِ كَالِاخْتِلَافِ فِي الْأَجَلِ وَهَذَا لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ مَكَانِ تَسْلِيمِهِ بِخِلَافِ الصِّفَةِ فَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ إذَا كَانَ دَيْنًا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ صِفَتِهِ فَلِهَذَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي حُكْمِ التَّحَالُفِ

قَالَ: (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْأَجَلِ فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إمَّا أَنْ يَخْتَلِفَا فِي مِقْدَارِ الْأَجَلِ أَوْ فِي مُضِيِّ الْأَجَلِ أَوْ فِي أَصْلِ الْأَجَلِ فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ الْأَجَلِ فَقَالَ: الطَّالِبُ كَانَ الْأَجَلُ شَهْرًا وَقَالَ: الْمَطْلُوبُ شَهْرَيْنِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الطَّالِبِ مَعَ يَمِينِهِ) لِأَنَّ الْأَجَلَ حَقُّ الْمَطْلُوبِ قَبْلَ الطَّالِبِ فَإِنَّ بِاعْتِبَارِهِ تَتَأَخَّرُ مُطَالَبَتُهُ عَنْهُ فَالْمَطْلُوبُ يَدَّعِي زِيَادَةً فِي حَقِّهِ وَالطَّالِبُ يُنْكِرُ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ فَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمَطْلُوبِ لِإِثْبَاتِهِ الزِّيَادَةَ فِي حَقِّهِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي مُضِيِّهِ فَقَالَ: الطَّالِبُ كَانَ الْأَجَلُ شَهْرًا وَقَدْ مَضَى وَقَالَ: الْمَطْلُوبُ إنَّمَا عَقَدْنَا الْعَقْدَ الْيَوْمَ وَالْأَجَلُ شَهْرٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَطْلُوبِ إمَّا لِأَنَّ الطَّالِبَ يَدَّعِي تَارِيخًا سَابِقًا فِي الْعَقْدِ وَالْمَطْلُوبَ مُنْكِرٌ لِذَلِكَ أَوْ لِأَنَّهُمَا تَصَادَفَا عَلَى ثُبُوتِ الْأَجَلِ حَقًّا لِلْمَطْلُوبِ ثُمَّ الطَّالِبُ يَدَّعِي إيفَاءَ حَقِّهِ وَالْمَطْلُوبُ يُنْكِرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ وَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمَطْلُوبِ أَيْضًا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إثْبَاتُ الْأَجَلِ وَذَلِكَ بِبَيِّنَةِ الْمَطْلُوبِ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ قِيَامَ الْأَجَلِ فِي الْحَالِ وَالطَّالِبُ يَنْفِي ذَلِكَ بِبَيِّنَتِهِ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مِنْ وَجْهٍ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةٌ مِنْ وَجْهٍ كَالْمُودِعِ إذَا ادَّعَى الْوَدِيعَةَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ لِإِنْكَارِهِ الضَّمَانَ وَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَتُهُ أَيْضًا لِإِثْبَاتِهِ الرَّدِّ فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي شَرْطِ الْأَجَلِ فَفِي الْقِيَاسِ الْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يُنْكِرُ شَرْطَ الْأَجَلِ وَالْعَقْدُ فَاسِدٌ لِأَنَّ عَقْدَ السَّلَمِ لَا يَصِحُّ إلَّا بِاشْتِرَاطِ الْأَجَلِ فَمَنْ يُنْكِرُ الْأَجَلَ فَهُوَ مُنْكِرٌ لِلْعَقْدِ فِي الْمَعْنَى فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْأَجَلَ شَرْطٌ زَائِدٌ فَإِذَا اخْتَلَفَا فِيهِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يُنْكِرُهُ كَالْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ اسْتَحْسَنَ أَبُو حَنِيفَةَ فَقَالَ: الْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَدَّعِي الْأَجَلَ أَيُّهُمَا كَانَ
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى: إذَا كَانَ الطَّالِبُ يَدَّعِي الْأَجَلَ فَكَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ هُوَ الَّذِي يَدَّعِي الْأَجَلَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الطَّالِبِ لِإِنْكَارِهِ قِيَاسًا لِأَنَّ الْأَجَلَ حَقُّ الْمَطْلُوبِ قَبْلَ الطَّالِبِ فَإِذَا ادَّعَاهُ الْمَطْلُوبُ وَأَنْكَرَ الطَّالِبُ فَكِلَاهُمَا خَرَجَ مَخْرَجَ الدَّعْوَى وَالْإِنْكَارِ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُنْكِرِ وَذَا ادَّعَى الطَّالِبُ الْأَجَلَ فَكَلَامُ الْمَطْلُوبِ فِي الْإِنْكَارِ تَعَنُّتٌ لِأَنَّ الطَّالِبَ أَقَرَّ لَهُ بِحَقِّهِ وَهُوَ أَنْكَرَ ذَلِكَ لِيُفْسِدَ الْعَقْدَ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِ الْمُتَعَنَّتِ فَهُوَ كَمَا لَوْ اخْتَلَفَا الْمُضَارِبُ وَرَبُّ الْمَالِ فَقَالَ: رَبُّ الْمَالِ شَرَطْتُ لَكَ

الصفحة 157