كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 12)

بَيْعُ السَّوِيقِ بِالدَّقِيقِ وَتَحْقِيقُ هَذَا أَنَّهُمَا إنَّمَا جُعِلَا جِنْسًا وَاحِدًا بَلْ الطَّحْنُ فَعَرَفْنَا أَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ بَعْدَ الطَّحْنِ فِيهِمَا عَمَلٌ بِصِفَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَا يُوجِبُ اخْتِلَافَ الْجِنْسِ وَإِذَا كَانَ جِنْسًا وَاحِدًا تُعْتَبَرُ الْمُمَاثَلَةُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي صَارَ مَالَ الرِّبَا وَهُوَ قَبْلَ الْقَلْيِ وَالطَّحْنِ وَبِتَسَاوِيهِمَا كَيْلًا فِي الْحَالِ لَا تَظْهَرُ تِلْكَ الْمُمَاثَلَةُ فَلَا يَجُوزُ الْعَقْدُ
وَالطَّرِيقُ الْآخَرُ أَنَّ بَيْعَ الْحِنْطَةِ بِالسَّوِيقِ لَا يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ وَرِبَا الْفَضْلِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِاعْتِبَارِ الْمُجَانَسَةِ وَلَا مُجَانَسَةَ بَيْنَ الْحِنْطَةِ وَالسَّوِيقِ صُورَةً فَعَرَفْنَا أَنَّ الْمُجَانَسَةَ بِاعْتِبَارِ مَا فِي الضِّمْنِ وَاَلَّذِي فِي ضِمْنِ الْحِنْطَةِ دَقِيقٌ فَتَثْبُتُ الْمُجَانَسَةُ بَيْنَ السَّوِيقِ وَالدَّقِيقِ بَعْدَ الطَّحْنِ كَمَا تَثْبُتُ الْمُجَانَسَةُ بَيْنَ السَّوِيقِ وَالْحِنْطَةِ بِاعْتِبَارِ مَا فِي الضِّمْنِ قَبْلَ الطَّحْنِ يُوَضِّحُهُ أَنَّ بَيْعَ الْحِنْطَةِ بِالدَّقِيقِ رِبًا وَبَيْعَ الْحِنْطَةِ بِالسَّوِيقِ رِبًا وَمَنْ ضَرُورَةِ كَوْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جِنْسًا لِلْحِنْطَةِ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا جِنْسًا لِلْآخِرِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ الِاسْمُ لِلصَّنْعَةِ لَا اسْمِ الْعَيْنِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَجْزَاءٌ مُتَفَرِّقَةٌ فِيمَا كَانَ لَهُ لَتُّ الْحِنْطَةِ قَبْلَ التَّفْرِيقِ وَلَيْسَ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ أَنَّهُ فَاتَ بَعْضُ الْمَقَاصِدِ فِي السَّوِيقِ وَبِهِ لَا يَخْتَلِفُ الْجِنْسُ كَالْحِنْطَةِ الْمَقْلُوَّةِ بِغَيْرِ الْمَقْلُوَّةِ وَالْعِلْكَةِ مَعَ الرَّخْوَةِ وَاَلَّتِي أَكَلَهَا السُّوسُ فَإِنَّهَا لَا تَصْلُحُ لِلزِّرَاعَةِ وَاِتِّخَاذُ الْهَرِيسَةِ وَالْكُشْكِ مِنْهَا وَلَا يُوجِبُ ذَلِكَ اخْتِلَافُ الْجِنْسِ فَكَذَلِكَ الدَّقِيقُ مَعَ السَّوِيقِ

وَلَا خَيْرَ فِي الزَّيْتِ بِالزَّيْتُونِ إلَّا أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ مَا فِي الزَّيْتُونِ أَقَلُّ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ وَالْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ الْمُجَانَسَةَ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ تَكُونُ بِاعْتِبَارِ الْعَيْنِ تَارَةً وَبِاعْتِبَارِ مَا فِي الضِّمْنِ أُخْرَى فَفِيمَا وُجِدَتْ الْمُجَانَسَةُ عَيْنًا لَا تُعْتَبَرُ فِي الضِّمْنِ حَتَّى يَجُوزَ بَيْعُ قَفِيزِ حِنْطَةٍ عِلْكَةٍ بِقَفِيزِ حِنْطَةٍ أَكَلَهَا السُّوسُ وَلَا يُعْتَبَرُ مَا فِي الضِّمْنِ وَفِي الْحِنْطَةِ بِالدَّقِيقِ تُعْتَبَرُ الْمُجَانَسَةُ بِمَا فِي الضِّمْنِ حَقِيقَةً وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ شَيْئًا آخَرَ حُكْمًا ثُمَّ لَا مُجَانَسَةَ بَيْنَ الزَّيْتِ وَالزَّيْتُونِ صُورَةً فَإِنَّمَا تُعْتَبَرُ الْمُجَانَسَةُ بِمَا فِي الضِّمْنِ وَهُوَ الزَّيْتُ الَّذِي فِي الزَّيْتُونِ وَبَيْعُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ إنْ عُلِمَ أَنَّ مَا فِي الزَّيْتُونِ مِنْ الزَّيْتِ أَكْثَرُ مِنْ الْمُنْفَصِلِ فَقَدْ يَتَحَقَّقُ الْفَضْلُ الْخَالِي عَنْ الْعِوَضِ فَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ وَكَذَلِكَ إنْ عُلِمَ أَنَّهُ مَيْلَهُ لِأَنَّ تُفْلَ الزَّيْتُونِ يَكُونُ فَضْلًا خَالِيًا عَنْ الْعِوَضِ وَإِنْ كَانَ لَا يُعْلَمُ كَيْفَ هُوَ لَا يَجُوزُ الْعَقْدُ عِنْدَنَا وَقَالَ: زُفَرُ يَجُوزُ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي مُقَابَلَةِ مَالٍ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ جَوَازُ الْعَقْدِ وَإِنَّمَا الْفَسَادُ بِوُجُودِ الْفَضْلِ الْخَالِي عَنْ الْعِوَضِ فَمَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ لَا يُفْسِدُ الْبَيْعَ وَعِنْدَنَا الْفَضْلُ الَّذِي هُوَ يُتَوَهَّمُ الْوُجُودُ كَالْمُتَحَقِّقِ فِي بَابِ الرِّبَا احْتِيَاطًا لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ الرِّبَا وَالرِّيبَةِ» وَالرِّيبَةُ شُبْهَةُ الرِّبَا وَقَالَ: ابْنُ مَسْعُودٍ كُنَّا نَدَعُ تِسْعَةَ أَعْشَارِ الْحَلَالِ مَخَافَةَ

الصفحة 179