كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 13)

وَهَذَا؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا يَنْفَصِلُ عَنْ الْآخَرِ فِي الْبَيْعِ ابْتِدَاءً وَبَقَاءً فَوُجُودُ الْمُفْسِدِ فِي أَحَدِهِمَا لَا يُؤَثِّرُ فِي الْعَقْدِ عَلَى الْآخَرِ؛ لِأَنَّ تَأْثِيرَهُ فِي الْعَقْدِ عَلَى الْآخَرِ إمَّا بِاعْتِبَارِ التَّبَعِيَّةِ - وَأَحَدُهُمَا لَيْسَ بِتَبَعٍ لِلْآخَرِ - أَوْ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُمَا كَشَيْءٍ وَاحِدٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَنْفَصِلُ عَنْ الْآخَرِ فِي الْعَقْدِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ هَلَكَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ بَقِيَ الْعَقْدُ فِي الْآخَرِ، وَذَلِكَ فِيمَا إذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَبْدًا، وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ قَبُولُ الْعَقْدِ فِي أَحَدِهِمَا لِقَبُولِ الْعَقْدِ فِي الْآخَرِ إذَا صَحَّ الْإِيجَابُ فِيهِمَا حَتَّى لَا يَكُونُ الْمُشْتَرِي مُلْحِقًا الضَّرَرَ بِالْبَائِعِ فِي قَبُولِ الْعَقْدِ فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ، وَذَلِكَ يَنْعَدِمُ إذَا لَمْ يَصِحَّ الْإِيجَابُ فِي أَحَدِهِمَا وَصَارَ هَذَا كَمَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ مُدَبَّرًا فَالْبَيْعُ يَفْسُدُ فِي الْمُدَبَّرِ وَيَبْقَى الْعَقْدُ عَلَى الْعَبْدِ صَحِيحًا كَذَلِكَ هُنَا، وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: الْبَائِعُ لَمَّا جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي الْإِيجَابِ فَقَدْ شَرَطَ فِي قَبُولِ الْعَقْدِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَبُولَ الْعَقْدِ فِي الْآخَرِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَمْلِكُ قَبُولَ الْعَقْدِ فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ، وَاشْتِرَاطُ قَبُولِ الْعَقْدِ فِي الْحُرِّ فِي بِيَعٍ شَرْطٌ فَاسِدٌ.
وَالْبَيْعُ يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَقَوْلُهُمَا أَنَّ هَذَا عِنْدَ صِحَّةِ الْإِيجَابِ قُلْنَا عِنْدَ صِحَّةِ الْإِيجَابِ فِيمَا يَكُونُ هَذَا شَرْطًا صَحِيحًا، وَنَحْنُ إنَّمَا نَدَّعِي الشَّرْطَ الْفَاسِدَ وَذَلِكَ عِنْدَ فَسَادِ الْإِيجَابِ؛ لِأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ بِاعْتِبَارِ جَمْعِ الْبَائِعِ بَيْنَهُمَا فِي كَلَامِهِ لِاعْتِبَارِ وُجُودِ الْمَحَلِّيَّةِ فِيهِمَا، وَقَدْ ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ رُجُوعَ أَبِي يُوسُفَ فِي فَصْلٍ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ إلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ مَسْأَلَةُ الطَّوْقِ وَالْجَارِيَةِ إذَا بَاعَهُمَا بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ كَمَا بَيَّنَّا فِي الصَّرْفِ فَاسْتَدَلُّوا بِرُجُوعِهِ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ عَلَى رُجُوعِهِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ؛ لِأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا لَا يَتَّضِحُ

فَإِذَا اشْتَرَى عَبْدَيْنِ فَإِذَا أَحَدُهُمَا مُدَبَّرٌ أَوْ مُكَاتَبٌ أَوْ اشْتَرَى جَارِيَتَيْنِ فَإِذَا أَحَدُهُمَا أَمُّ وَلَدٍ جَازَ الْبَيْعُ فِي الْآخَرِ سَوَاءٌ سَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَمَنًا أَوْ لَمْ يُسَمِّ وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْإِيجَابَ فِي الْمُدَبَّرِ وَالْمُكَاتَبِ وَأُمِّ الْوَلَدِ فَاسِدٌ لِمَا ثَبَتَ لَهُمْ مِنْ حَقِّ الْعِتْقِ، وَقَدْ جَعَلَ ذَلِكَ شَرْطًا لِقَبُولِ الْعَقْدِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فَيَفْسُدُ الْعَقْدُ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْحُرِّ، وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَخَلَ فِي الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ دُخُولَ الْآدَمِيِّ فِي الْعَقْدِ بِاعْتِبَارِ الرِّقِّ وَالتَّقَوُّمِ، وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِيهِمَا ثُمَّ اسْتَحَقَّ أَحَدُهُمَا نَفْسَهُ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ اسْتَحَقَّهُ غَيْرُهُ بِأَنْ بَاعَ عَبْدَيْنِ فَاسْتَحَقَّ أَحَدُهُمَا فَهُنَاكَ الْبَيْعُ جَائِزٌ فِي الْآخَرِ سَوَاءٌ سَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَمَنًا أَوْ لَمْ يُسَمِّ يُوَضِّحُهُ أَنَّ الْمَبِيعَ فِي الْمُدَبَّرِ لَيْسَ بِفَاسِدٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ بِدَلِيلِ جَوَازِ بِيَعِ الْمُدَبَّرِ مِنْ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ إذَا بَاعَ نَفْسَ الْمُدَبَّرِ مِنْ نَفْسِهِ يَجُوزُ، وَبِدَلِيلِ أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا قَضَى بِجَوَازِ بِيَعِ الْمُدَبَّرِ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ وَكَذَلِكَ الْمُكَاتَبُ فَإِنَّ بَيْعَهُ مِنْ نَفْسِهِ جَائِزٌ وَلَوْ بَاعَهُ

الصفحة 4