كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 13)

مِنْهُمَا وَالْجَهَالَةُ فِي جُمْلَةِ الثَّمَنِ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ فَإِنَّهَا تُرْفَعُ بَعْدَ الْمُشَارِ إلَيْهِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَمَّا لَمْ يَكُنْ الْعَدَدُ مَعْلُومًا عِنْدَ الْعَقْدِ فَإِنَّمَا يَتَنَاوَلُ الْعَقْدَ وَاحِدًا مِنْ الْجُمْلَةِ

وَبَيْعُ شَاةٍ مِنْ الْقَطِيعِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهَا مُتَفَاوِتَةٌ وَإِذَا كَانَتْ الْعِبْرَةُ لِلْإِشَارَةِ فَثَمَنُ جَمِيعِ مَا أَشَارَ إلَيْهِ مَجْهُولٌ عِنْدَ الْعَقْدِ، وَجَهَالَةُ مِقْدَارِ الثَّمَنِ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْعَقْدِ، وَمَا هُوَ شَرْطُ الْعَقْدِ إذَا انْعَدَمَ عِنْدَ الْعَقْدِ يَفْسُدُ الْعَقْدُ وَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ إيجَابِهِ فِي الثَّانِي كَشَرْطِ الشُّهُودِ فِي النِّكَاحِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ بَاعَ صُبْرَةَ حِنْطَةٍ كُلُّ قَفِيزٍ مِنْهَا بِدِرْهَمٍ وَلَمْ يُسَمِّ عَدَدَ الْجُمْلَةِ إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ هُنَاكَ: الْعَقْدُ جَائِزٌ فِي قَفِيزٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ إذَا اشْتَرَى قَفِيزًا مِنْ الصُّبْرَةِ جَازَ بِالْإِجْمَاعِ فَإِنَّ الْقُفْزَانَ لَا تَتَفَاوَتُ بِخِلَافِ الْغَنَمِ فَإِنْ عَلِمَ مَبْلَغَ الْجُمْلَةِ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ لَا يَنْقَلِبُ الْعَقْدُ جَائِزًا؛ لِأَنَّ الْمُفْسِدَ قَدْ تَقَرَّرَ بِالِافْتِرَاقِ عَنْ الْمَجْلِسِ قَبْلَ إزَالَتِهِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقَا كَانَ الْعَقْدُ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ حَالَةَ الْمَجْلِسِ جُعِلَتْ كَحَالَةِ الْعَقْدِ وَلَكِنْ يَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي لِتَنْكَشِفَ الْحَالَةُ لَهُ الْآنَ فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْكُلَّ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ.
وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ؛ لِأَنَّ مِقْدَارَ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ الثَّمَنِ إنَّمَا يَصِيرُ مَعْلُومًا لَهُ الْآنَ فَيَتَخَيَّرُ لِأَجْلِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى دَارًا كُلُّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ وَلَمْ يُسَمِّ جُمْلَةَ الذُّرْعَانِ فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الْعَقْدُ يَفْسُدُ فِي الْكُلِّ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الذُّرْعَانِ تَتَفَاوَتُ فِي مُقَدَّمِ الدَّارِ وَمُؤَخَّرِهَا فَلَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُ الْعَقْدِ فِي ذِرَاعٍ مِنْهَا، وَكَذَلِكَ الثَّوْبُ وَالْخَشَبُ وَلَوْ اشْتَرَى ذِرَاعًا مِنْ عَشَرَةِ أَذْرُعٍ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - يَجُوزُ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ مَا سَمَّى عِبَارَةٌ عَنْ عُشْرِ الدَّارِ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ سَهْمٌ مِنْ عَشَرَةِ أَسْهُمٍ أَوْ جُزْءٌ مِنْ عَشَرَةِ أَجْزَاءٍ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الذِّرَاعَ اسْمٌ لِمَوْضِعٍ مَعْلُومٍ يَقَعُ عَلَيْهِ الذِّرَاعُ، وَذَلِكَ يَتَفَاوَتُ مَوْضِعُهُ مِنْ الدَّارِ بِخِلَافِ السَّهْمِ وَالْجُزْءِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى ذِرَاعًا مِنْ هَذِهِ الدَّارِ بِكَذَا يَجُوزُ الْعَقْدُ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ مِنْ كَذَا ذِرَاعًا ثُمَّ يُذَرِّعُ الدَّارَ فَإِنْ كَانَتْ عَشَرَةَ أَذْرُعٍ فَلَهُ الْعُشْرُ بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَى سَهْمًا مِنْ الدَّارِ، لَمْ يَقُلْ مِنْ كَذَا سَهْمًا؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْجَهَالَةِ لَا يُمْكِنُ إزَالَتُهَا فَسَهْمٌ مِنْ سَهْمَيْنِ النِّصْفُ، وَسَهْمٌ مِنْ عَشَرَةِ أَسْهُمٍ الْعُشْرُ وَفِي الذِّرَاعِ يُمْكِنُ إزَالَةُ الْجَهَالَةِ بِأَنْ يُذَرِّعَ جَمِيعَ الدَّارِ فَيَصِيرُ الْجُزْءُ الْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ مَعْلُومًا بِهِ

وَإِذَا اشْتَرَى غَنَمًا أَوْ بَقَرًا أَوَعَدْلَ زُطِّيٍّ كُلُّ اثْنَيْنِ مِنْهَا بِعَشَرَةٍ فَهُوَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ ثَمَنَ كُلِّ وَاحِدٍ غَيْرُ مَعْلُومٍ فَإِنَّهُ يَضُمُّ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ آخَرَ فَيُقَسَّمُ الْعُشْرُ عَلَى قِيمَتِهَا وَلَا يُعْرَفُ كَيْفِيَّةُ الضَّمِّ أَنَّهُ يَضُمُّ الْجَيِّدَ إلَى الْجَيِّدِ أَوْ الرَّدِيءَ إلَى الرَّدِيءِ أَوْ إلَى الْوَسَطِ فَيَبْقَى ثَمَنُ كُلِّ وَاحِدٍ مَجْهُولًا، وَهَذِهِ الْجَهَالَةُ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ فَإِنَّهُ إذَا وَجَدَ بِثَوْبٍ عَيْبًا بَعْدَ الْقَبْضِ

الصفحة 6