كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 15)

وَإِنْ أَعْطَيْتَهُ إلَى شَهْرَيْنِ فَخَمْسَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا كَانَ الْعَقْدُ كُلُّهُ فَاسِدًا لِلتَّرَدُّدِ بَيْنَ التَّسْمِيَتَيْنِ؛ وَلِهَذَا التَّرَدُّدِ أَفْسَدَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الشَّرْطَ الثَّانِيَ فَكَذَلِكَ يَفْسُدُ الشَّرْطُ الْأَوَّلُ وَهُمَا اعْتَبَرَا هَذَا فِي الْفَصْلِ الثَّانِي قَالَا: إنَّهُ سَمَّى عَمَلَيْنِ وَسَمَّى بِمُقَابَلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَدَلًا مَعْلُومًا فَيَجُوزُ الْعَقْدُ كَمَا فِي الْفَصْلِ الثَّانِي وَهَذَا؛ لِأَنَّ عَمَلَهُ فِي الْغَدِ غَيْرُ عَمَلِهِ فِي الْيَوْمِ وَلِصَاحِبِ الثَّوْبِ فِي إقَامَةِ الْعَمَلِ وَفِي كُلِّ وَقْتٍ غَرَضٌ صَحِيحٌ وَإِنَّمَا يَجِبُ الْأَجْرُ عِنْدَ إقَامَةِ الْعَمَلِ وَلَا جَهَالَةَ عِنْدَ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ فَهُنَاكَ إنَّمَا أَفْسَدْنَا الْعَقْدَ لِمَعْنَى الْقِمَارِ، وَذَلِكَ غَيْرُ مَوْجُودٍ هُنَا؛ لِأَنَّهُ فِي الْيَوْمَيْنِ شَرَطَ الْأَجْرَ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ
وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: عَلَّقَ الْبَرَاءَةَ عَنْ بَعْضِ الْأَجْرِ بِشَرْطِ فَوَاتِ مَنْفَعَةِ التَّعْجِيلِ بِقَوْلِهِ إنْ لَمْ تَفْرَغْ مِنْهُ الْيَوْمَ فَلَكَ نِصْفُ دِرْهَمٍ، وَلَوْ عَلَّقَ الْبَرَاءَةَ عَنْ جَمِيعِ الْأَجْرِ بِهَذَا الشَّرْطِ لَمْ يَصِحَّ بِأَنْ قَالَ: وَإِنْ لَمْ تَفْرَغْ مِنْهُ الْيَوْمَ فَلَا شَيْءَ لَكَ، فَكَذَلِكَ إذَا عَلَّقَ الْبَرَاءَةَ عَنْ بَعْضِ الْأَجْرِ بِهِ اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ وَلِأَنَّ الْبَرَاءَةَ لَا تَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْخِيَاطَةَ فِي الْيَوْمَيْنِ بِصِفَةٍ وَاحِدَةٍ وَإِنَّمَا تَفُوتُ مَنْفَعَةُ التَّعْجِيلِ بِتَأْخِيرِ الْعَمَلِ إلَى الْغَدِ بِخِلَافِ الْخِيَاطَةِ الرُّومِيَّةِ وَالْفَارِسِيَّةِ؛ فَإِنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ تَعْلِيقَ الْبَرَاءَةِ عَنْ بَعْضِ الْأَجْرِ حَتَّى لَوْ قَالَ هُنَاكَ، وَإِنْ خِطْتَهُ فَارِسِيًّا فَلَا أَجْرَ لَكَ كَانَ ذَلِكَ اسْتِعَانَةً صَحِيحَةً فِي خِيَاطَةِ الْفَارِسِيَّةِ، وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِيمَا إذَا قَالَ لَهُ خِطْ هَذَا الثَّوْبَ الْيَوْمَ بِدِرْهَمٍ فَخَاطَهُ غَدًا مَاذَا يَجِبُ لَهُ فَفِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ يَجِبُ الْمُسَمَّى بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ خِطْهُ بِدِرْهَمٍ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ لَا يُجَاوِزُ بِهِ دِرْهَمًا؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِالدِّرْهَمِ بِشَرْطِ مَنْفَعَةِ التَّعْجِيلِ فَإِذَا فَاتَهُ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ أَجْرُ الْمِثْلِ فَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى يَقُولُ: اجْتَمَعَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي تَسْمِيَتَانِ دِرْهَمٌ وَنِصْفُ دِرْهَمٍ فَكَانَ الْعَقْدُ فَاسِدًا كَمَا لَوْ قَالَ: خِطْهُ بِدِرْهَمٍ، أَوْ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ مُوجِبَ التَّسْمِيَةِ الْأُولَى عِنْدَ الْخِيَاطَةِ غَدًا الدِّرْهَمُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فَهُوَ بِالتَّسْمِيَةِ الثَّانِيَةِ يَضُمُّ الشَّرْطَ الثَّانِيَ إلَى الْأَوَّلِ فِي الْغَدِ مَعَ بَقَاءِ الْأَوَّلِ فَتَجْتَمِعُ تَسْمِيَتَانِ بِخِلَافِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا تَسْمِيَةٌ وَاحِدَةٍ وَهُوَ الدِّرْهَمُ؛ لِأَنَّ تَسْمِيَةَ نِصْفِ دِرْهَمٍ فِي الْغَدِ لَا مُوجِبَ لَهُ فِي الْيَوْمِ حَتَّى إذَا قَالَ: اسْتَأْجَرْتُكَ غَدًا لِتَخِيطَهُ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ فَخَاطَهُ الْيَوْمَ فَلَا أَجْرَ لَهُ؛ فَلِهَذَا صَحَّ الشَّرْطُ الْأَوَّلُ دُونَ الثَّانِي بِخِلَافِ الْخِيَاطَةِ الرُّومِيَّةِ وَالْفَارِسِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَجْتَمِعَ تَسْمِيَتَانِ فِي وَاحِدٍ مِنْ الْعَمَلَيْنِ حَتَّى لَوْ قَالَ: خِطْهُ خِيَاطَةً رُومِيَّةً بِدِرْهَمٍ فَخَاطَهُ خِيَاطَةً فَارِسِيَّةً كَانَ مُخَالِفًا
وَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى يَقُولُ: التَّسْمِيَةُ الْأُولَى لَهَا مُوجِبٌ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَهُوَ أَجْرُ الْمِثْلِ فَهُوَ بِتَسْمِيَةِ نِصْفِ دِرْهَمٍ قَصَدَ تَغْيِيرَ

الصفحة 101