كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 15)

فَعِنْدَ ذِكْرِ الْحُقُوقِ وَالْمَرَافِقِ عَرَفْنَا أَنَّهُمَا قَصَدَا ذَلِكَ فَأَمَّا فِي الْقِسْمَةِ الْمَقْصُودُ التَّمَيُّزُ دُونَ الِاسْتِرْبَاحِ فَبِذِكْرِ الْحُقُوقِ وَالْمَرَافِقِ لَا يَتَبَيَّنُ أَنَّهُمَا لَمْ يَقْصِدَا التَّمْيِيزَ فِي أَنْ لَا يَبْقَى لِأَحَدِهِمَا فِي نَصِيبِ الْآخَرِ طَرِيقُ مَسِيلِ مَاءٍ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مُفْتَتَحٌ لِلطَّرِيقِ وَلَا مَسِيلُ مَاءٍ؛ فَإِذَا ذَكَرَ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا أَصَابَهُ بِكُلِّ حَقٍّ لَهُ جَازَتْ الْقِسْمَةُ وَكَانَ طَرِيقُهُ فِي الصِّفَةِ وَمَسِيلِ مَائِهِ عَلَى طَرِيقِ سَطْحِهِ كَمَا كَانَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْحُقُوقَ وَالْمَرَافِقَ فَالْقِسْمَةُ فَاسِدَةٌ بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ فَإِنَّهُ يَكُونُ صَحِيحًا، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْحُقُوقَ وَالْمَرَافِقَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْبَيْعِ مِلْكُ الْعَيْنِ وَهَذَا الْمَقْصُودُ يَتِمُّ لِلْمُشْتَرِي
وَإِنْ كَانَ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ الِانْتِفَاعُ لِعَدَمِ الطَّرِيقِ وَالْمَسِيلِ لَهُ كَمَنْ اشْتَرَى مُهْرًا صَغِيرًا أَوْ أَرْضًا سَبْخَةً فَإِنَّهُ يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَنْتَفِعُ بِالْمُشْتَرَى وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ النَّظَرَ لِنَفْسِهِ حِينَ لَمْ يَذْكُرْ الْحُقُوقَ وَالْمَرَافِقَ لِيَدْخُلَ الطَّرِيقُ وَالْمَسِيلُ فَلَا يَشْتَغِلُ بِالنَّظَرِ لَهُ فَأَمَّا فِي الْقِسْمَةِ الْمَقْصُودَةِ اتِّصَالُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى الِانْتِفَاعِ بِنَصِيبِهِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مُفْتَتَحًا إلَى الطَّرِيقِ وَلَا مَسِيلَ مَاءٍ فَهَذِهِ قِسْمَةٌ وَقَعَتْ عَلَى ضَرَرٍ فَلَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَذْكُرَ الْحُقُوقَ وَالْمَرَافِقَ فَيُسْتَدَلُّ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمَا قَصَدَا إدْخَالَ الطَّرِيقِ وَالْمَسِيلِ لِتَصْحِيحِ الْقِسْمَةِ لِعِلْمِهَا أَنَّ الْقِسْمَةَ لَا تَصِحُّ بِدُونِهِمَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِخِلَافِ مَا سَبَقَ تَوْضِيحُهُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْقِسْمَةِ الْمُعَادَلَةُ فِي الْمَنْفَعَةِ.
وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ طَرِيقٌ وَلَا مَسِيلُ مَاءٍ لَا يَحْصُلُ مَعْنَى الْمُعَادَلَةِ فِي الْمَنْفَعَةِ فَلَا تَصِحُّ الْقِسْمَةُ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ مُهْرًا صَغِيرًا أَوْ أَرْضًا سَبِخَةً لِلزِّرَاعَةِ لَمْ يَجُزْ لِفَوَاتِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَهُوَ الْمَنْفَعَةُ فَإِنْ قِيلَ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَدْخُلَ الطَّرِيقُ وَالْمَسِيلُ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْحُقُوقَ وَالْمَرَافِقَ لِتَصْحِيحِ الْقِسْمَةِ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَ أَرْضًا دَخَلَ الشُّرْبُ وَالطَّرِيقُ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْحُقُوقَ وَالْمَرَافِقَ لِتَحْصِيلِ الْمَنْفَعَةِ قُلْنَا هُنَاكَ مَوْضِعُ الشُّرْبِ وَالطَّرِيقِ لَيْسَ مِمَّا تَتَنَاوَلُهُ الْإِجَارَةُ وَلَكِنْ يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى الِانْتِفَاعِ بِالْمُسْتَأْجَرِ وَالْأَجِيرُ إنَّمَا يَسْتَوْجِبُ الْأُجْرَةَ إذَا تَمَكَّنَ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ الِانْتِفَاعِ فَفِي إدْخَالِ الشُّرْبِ تَوْفِيرُ الْمَنْفَعَةِ عَلَيْهِمَا وَأَمَّا هُنَا مَوْضِعُ الطَّرِيقِ وَالْمَسِيلِ دَاخِلٌ فِي الْقِسْمَةِ وَمُوجَبُ الْقِسْمَةِ اخْتِصَاصُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَا هُوَ نَصِيبُهُ فَلَوْ أَثْبَتْنَا لِأَحَدِهِمَا حَقًّا فِي نَصِيبِ الْآخَرِ تَضَرَّرَ بِهِ الْآخَرُ وَلَا يَجُوزُ إلْحَاقُ الضَّرَرِ بِهِ بِدُونِ رِضَاهُ وَإِنَّمَا دَلِيلٌ الرِّضَا اشْتِرَاطُهُ الْحُقُوقَ وَالْمَرَافِقَ؛ فَلِهَذَا لَا يَدْخُلُ الطَّرِيقُ وَالْمَسِيلُ بِدُونِ ذِكْرِهِ الْحُقُوقَ وَالْمَرَافِقَ وَلَوْ رَفَعَا طَرِيقًا بَيْنَهُمَا وَكَانَ عَلَى الطَّرِيقِ ظُلَّةٌ وَكَانَ طَرِيقُ أَحَدِهِمَا عَلَى تِلْكَ الظُّلَّةِ وَهُوَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَتَّخِذَ طَرِيقًا آخَرَ فَأَرَادَ صَاحِبُهُ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ الْمُرُورِ عَلَى ظَهْرِ الظُّلَّةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الطَّرِيقِ

الصفحة 15