كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 15)

لَا يُمْكِنُ إتْمَامُ الْقِسْمَةِ بَيْنَهُمَا بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَيُجْعَلُ الطَّرِيقُ مُسْتَحَقًّا لَهُ بِذِكْرِ الْحُقُوقِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ هَذَا الْفَرْقِ فِي الْبَيْتِ وَالصِّفَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي وَسَطِ أَرْضِ هَذَا وَلَمْ يَشْتَرِطُوا الْمَرَافِقَ وَالطَّرِيقَ وَلَا كُلَّ حَقٍّ هُوَ لَهَا وَلَا كُلَّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ هُوَ فِيهَا أَوْ مِنْهَا فَلَا طَرِيقَ لَهُ فِي أَرْضِ هَذَا؛ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ فِي نَصِيبِ قَسِيمِهِ حَقًّا مِنْ غَيْرِ لَفْظٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ فِي الْقِسْمَةِ وَالْقِسْمَةُ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّهَا وَقَعَتْ عَلَى ضَرَرٍ إلَّا أَنْ يَقْدِرَ عَلَى أَنْ يَمُرَّ فِي بَطْنِ النَّهْرِ بِأَنْ انْكَشَفَ الْمَاءُ عَنْ مَوْضِعٍ مِنْ النَّهْرِ فَإِنْ قَدَرَ عَلَى هَذَا فَالْقِسْمَةُ جَائِزَةٌ وَطَرِيقُهُ فِي بَطْنِ النَّهْرِ لِيُمْكِنَهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِنَصِيبِهِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَطَرِيقُهُ لَا فِي بَطْنِ النَّهْرِ زِيَادَةُ مَنْفَعَةٍ لَهُ وَلَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ فَلَا يَسْتَحِقُّهُ وَلَا تَبْطُلُ الْقِسْمَةُ لِأَجْلِهِ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِنَصِيبِهِ؛ لِأَنَّ حِرْمَانَهُ هَذِهِ الزِّيَادَةَ بِتَرْكِهِ النَّظَرَ لِنَفْسِهِ عِنْدَ الْقِسْمَةِ
وَإِنْ كَانَ لِلنَّهْرِ مُسَنَّاةٌ مِنْ جَانِبَيْهِ يَكُونُ طَرِيقُهُ عَلَيْهَا فَهُوَ جَائِزٌ وَطَرِيقُهُ عَلَيْهَا دُونَ أَرْضِ صَاحِبِهِ، وَإِنْ ذَكَرَ الْحُقُوقَ فِي الْقِسْمَةِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالنَّهْرِ بِالتَّطَرُّقِ عَلَى مُسِنَّاتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرُوا الْمُسَنَّاةَ فِي الْقِسْمَةِ فَاخْتَلَفَ صَاحِبُ النَّهْرِ وَالْأَرْضِ فِيهَا فَهِيَ لِصَاحِبِ النَّهْرِ لِمُلْتَقَى طِينِهِ وَطَرِيقِهِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى مَسْأَلَةِ كِتَابِ الشُّرْبِ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا حَرِيمَ لِلنَّهْرِ وَعِنْدَهُمَا لِلنَّهْرِ حَرِيمٌ مِنْ جَانِبَيْهِ مِثْلُ عَرْضِ بَطْنِ النَّهْرِ فَإِذَا كَانَ عِنْدَهُمَا لِلنَّهْرِ حَرِيمٌ كَانَ اشْتِرَاطُ النَّهْرِ لِأَحَدِهِمَا فِي الْقِسْمَةِ اشْتِرَاطًا لِحَرِيمِهِ لَهُ فَهُوَ أَوْلَى بِهِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا حَرِيمَ لِلنَّهْرِ وَقَدْ جَعَلَا فِي الْقِسْمَةِ النَّهْرَ حَدًّا لِمِلْكِ صَاحِبِهِ وَالْمُسَنَّاةُ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ يَصْلُحُ؛ لِمَا يَصْلُحُ لَهُ الْأَرْضُ مِنْ الْغَرْسِ وَالزِّرَاعَةِ وَلَا يَصْلُحُ؛ لِمَا يَصْلُحُ لَهُ مِنْ إجْرَاءِ الْمَاءِ فِيهِ فَيَكُونُ صَاحِبُ الْأَرْضِ أَوْلَى بِهِ
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلنَّهْرِ طَرِيقٌ إلَّا فِي أَرْضٍ لِقَسِيمِهِ وَاشْتَرَطُوا عَلَيْهِ أَنْ لَا طَرِيقَ لَهُ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ فَهُوَ جَائِزٌ وَلَا طَرِيقَ لَهُ إذَا عَلِمَ يَوْمئِذٍ أَنَّهُ لَا طَرِيقَ لَهُ؛ لِأَنَّ فَسَادَ الْقِسْمَةِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ وَقَدْ رَضِيَ هُوَ بِالْتِزَامِ الضَّرَرِ، وَالشَّرْطُ أَمْلَكُ، وَكَذَلِكَ النَّخْلَةُ وَالشَّجَرَةُ نُصِبَتْ إحْدَاهُمَا فِي أَرْضِ الْآخَرِ وَاشْتَرَطَا أَنْ لَا طَرِيقَ لَهُ فِي أَرْضِ صَاحِبِهِ فَهُوَ وَالنَّهْرُ سَوَاءٌ وَلَوْ كَانَ نَهْرٌ يَصُبُّ فِي أَجْمِهِ كَانَ لِصَاحِبِهِ ذَلِكَ الْمَصَبُّ عَلَى حَالِهِ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ مُسْتَعْجِلٌ لَهُ وَقَدْ وَقَعَتْ الْقِسْمَةُ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ فَيُتْرَكُ عَلَى ذَلِكَ لِمَا بَيَّنَّا فِي جُذُوعٍ لِأَحَدِهِمَا عَلَى حَائِطِ الْآخَرِ فَالْمَصَبُّ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَحَقًّا لِصَاحِبِ النَّهْرِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ كَالْجُذُوعِ وَإِذَا كَانَ نَهْرٌ لِرَجُلٍ يَمُرُّ فِي مِلْكِ رَجُلٍ آخَرَ فَاخْتَلَفَا فِي مُسَنَّاةٍ عَلَى النَّهْرِ فَهِيَ لِرَبِّ الْأَرْضِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا الْمُسَنَّاةُ لِصَاحِبِ النَّهْرِ وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى مَسْأَلَةِ

الصفحة 31