كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 15)

كَبَرَ الصَّبِيُّ فَأَجَازَ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ هَذَا الْعَقْدَ مُجِيزًا حَالَ وُقُوعِهِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ أَجَازَ جَازَ وَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ بَاعَ إنْسَانٌ مَالَ الصَّبِيِّ فَكَبَرَ الصَّبِيُّ وَأَجَازَ ذَلِكَ، وَإِنْ مَاتَ الْغَائِبُ أَوْ الصَّغِيرُ فَأَجَازَ وَارِثُهُ لَمْ يَجُزْ فِي الْقِيَاسِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ حَادِثٌ لِلْوَرَثَةِ فَلَا تُعْمَلُ إجَازَةُ الْوَارِثِ كَمَا لَوْ بَاعَ إنْسَانٌ مَالَهُ وَأَجَازَ وَارِثُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ الْبَيْعَ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ لِهَذَا الْمَعْنَى وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُهُمَا؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ يَخْلُفُ الْمُورِثَ فَإِجَازَتُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ كَإِجَازَةِ الْمُوَرِّثِ فِي حَيَاتِهِ وَحَرْفُ الِاسْتِحْسَانِ وَبِهِ يَتَّضِحُ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ سَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ أَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الْقِسْمَةِ قَائِمَةٌ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ كَمَا كَانَ فِي حَيَاتِهِ فَلَوْ نُقِضَتْ تِلْكَ الْقِسْمَةُ اُحْتِيجَ إلَى إعَادَتِهَا فِي الْحَالِ بِتِلْكَ الصِّفَةِ
وَإِنَّمَا تَكُونُ إعَادَتُهَا بِرِضَى الْوَارِثِ فَلَا فَائِدَةَ فِي نَقْضِهَا مَعَ وُجُودِ الْإِجَازَةِ مِنْهُ لِتُعَادَ بِرِضَاهُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّا لَوْ نَقَضْنَا ذَلِكَ الْبَيْعَ عِنْدَ الْمَوْتِ لَا تَقَعُ الْحَاجَةُ إلَى إعَادَتِهِ فَالْبَيْعُ لَا يَكُونُ مُسْتَحَقًّا فِي كُلِّ عَيْنٍ لَا مَحَالَةَ؛ فَلِهَذَا لَا يُعْمَلُ إجَازَةُ الْوَارِثِ فِيهِ بَعْدَ تَعَيُّنِ جِهَةِ الْبُطْلَانِ فِيهِ بِمَوْتِ الْمُوَرِّثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[بَابُ قِسْمَةِ الْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ]
(قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِذَا كَانَتْ الْغَنَمُ بَيْنَ قَوْمٍ مِيرَاثًا أَوْ شِرَاءً فَأَرَادَ بَعْضُهُمْ قِسْمَتَهَا وَكَرِهَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ وَقَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْأَصْلِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَقْسِمُهَا بَيْنَهُمْ)؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْمُعَادَلَةِ فِي الْمَنْفَعَةِ وَالْمَالِيَّةِ عِنْدَ اتِّحَادِ جِنْسِ الْحَيَوَانِ مُمْكِنٌ لِلتَّقَارُبِ فِي الْمَقْصُودِ فَيَغْلِبُ مَعْنَى التَّمْيِيزِ فِي هَذِهِ الْقِسْمَةِ عَلَى مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ وَبِمَعْنَى التَّمْيِيزِ يَثْبُتُ لِلْقَاضِي وِلَايَةُ إجْبَارِ بَعْضِ الشُّرَكَاءِ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ صِنْفٍ مِنْ الْحَيَوَانِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الثِّيَابِ أَوْ مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ فَعِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ يُجْبَرُ الْقَاضِي عَلَى الْقِسْمَةِ عِنْدَ طَلَبِ بَعْضِ الشُّرَكَاءِ إلَّا فِي الرَّقِيقِ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: لَا يَقْسِمُ الرَّقِيقَ بَيْنَهُمْ إذَا كَرِهَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَقْسِمُ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ بِطَلَبِ بَعْضِهِمْ؛ لِأَنَّ الرَّقِيقَ جِنْسٌ وَاحِدٌ إذَا كَانُوا ذُكُورًا أَوْ إنَاثًا وَمُرَاعَاةُ الْمُعَادَلَةِ فِي الْمَنْفَعَةِ مُمْكِنٌ لِتَقَارُبِ الْمَقْصُودِ فَيَقْسِمُهَا بَيْنَهُمْ عِنْدَ طَلَبِ بَعْضِهِمْ كَمَا فِي سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ (أَلَا تَرَى) أَنَّ الرَّقِيقَ كَسَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ فِي سَائِرِ الْعُقُودِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ مَهْرًا وَلَا تَثْبُتُ سَلَمًا، فَكَذَلِكَ فِي الْقِسْمَةِ يَجْعَلُ الرَّقِيقَ كَسَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الرَّقِيقَ يُقْسَمُ فِي الْغَنِيمَةِ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ، فَكَذَلِكَ فِي الْقِسْمَةِ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: التَّفَاوُتُ فِي الرَّقِيقِ أَظْهَرُ مِنْهُ فِي الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ فَإِنَّ الْأَجْنَاسَ.

الصفحة 36