كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 15)

الْمُخْتَلِفَةَ قَدْ تَتَفَاوَتُ فِي الْمَالِيَّةِ وَالرَّقِيقُ يَتَفَاوَتُ تَفَاوُتًا فَاحِشًا، ثُمَّ قِسْمَةُ الْجَبْرِ لَا تَجْرِي فِي الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ، فَكَذَلِكَ فِي الرَّقِيقِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْمُعَادَلَةُ فِي الْمَالِيَّةِ وَالْمَنْفَعَةِ، وَذَلِكَ يَتَفَاوَتُ فِي الْآدَمِيِّ بِاعْتِبَارِ مَعَانٍ بَاطِلَةٍ لَا يُوقَفُ عَلَيْهَا حَقِيقَةً كَالدُّهْنِ وَالْكِتَابَةِ وَقَدْ يَرَى الْإِنْسَانُ مِنْ نَفْسِهِ مَا لَيْسَ فِيهِ حَقِيقَةً أَوْ أَكْثَرَ مِمَّا هُوَ فِيهِ فَيَتَعَذَّرُ اعْتِبَارُ الْمُعَادَلَةِ فِي الْمَالِيَّةِ وَبِتَرَجُّحِ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ فِي هَذِهِ الْقِسْمَةِ عَلَى مَعْنَى التَّمْيِيزِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِالتَّرَاضِي وَالدَّلِيلُ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الرَّقِيقِ وَسَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ أَنَّ الذُّكُورَ وَالْإِنَاثَ فِي سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَفِي الرَّقِيقِ هُمَا جِنْسَانِ حَتَّى إذَا اشْتَرَى شَخْصًا عَلَى أَنَّهُ عَبْدٌ فَإِذَا هِيَ جَارِيَةٌ لَمْ يَجُزْ الشِّرَاءُ بِخِلَافِ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ وَمَا كَانَ ذَلِكَ إلَّا بِاعْتِبَارِ مَعْنَى التَّفَاوُتِ وَهَذَا بِخِلَافِ قِسْمَةِ الْغَنِيمَةِ فَإِنَّهَا تَجْرِي فِي الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ وَكَانَ الْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ حَقَّ الْغَانِمِينَ فِي مَعْنَى الْمَالِيَّةِ دُونَ الْعَيْنِ حَتَّى كَانَ لِلْإِمَامِ بَيْعُ الْمَغَانِمِ وَقِسْمَةُ الثَّمَنِ فَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ اتِّصَالِ مِقْدَارٍ مِنْ الْمَالِيَّةِ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَأَمَّا فِي الشَّرِكَةِ الْمِلْكُ حَقُّ الشُّرَكَاءِ فِي الْعَيْنِ وَالْمَالِيَّةِ فَلِلْإِمَامِ حَقُّ التَّمْيِيزِ بِالْقِسْمَةِ عَلَى طَرِيقِ الْمُعَادِلَةِ وَلَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ الْمُعَاوَضَةِ فَإِذَا كَانَ يَتَعَذَّرُ اعْتِبَارُ الْمُعَادَلَةِ هُنَا بِطَرِيقِ التَّمْيِيزِ لَا يَثْبُتُ لِلْقَاضِي وِلَايَةُ الْإِجْبَارِ عَلَى الْقِسْمَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَ الرَّقِيقِ شَيْءٌ آخَرُ مِنْ غَنَمٍ أَوْ ثِيَابٍ أَوْ مَتَاعٍ فَحِينَئِذٍ يَقْسِمُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: تَأْوِيلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ يَقْسِمُ ذَلِكَ بِرِضَاءِ الشُّرَكَاءِ فَأَمَّا مَعَ كَرَاهَةِ بَعْضِهِمْ الْقَاضِي لَا يَقْسِمُ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ فِي الرَّقِيقِ لَا يَقْسِمُ قِسْمَةَ الْجَبْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَعِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ أَوْلَى وَالْأَظْهَرُ أَنَّ قِسْمَةَ الْجَبْرِ هُنَا تَجْرِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْجِنْسَ الْآخَرَ الَّذِي هُوَ مَعَ الرَّقِيقِ يُجْعَلُ أَصْلًا فِي الْقِسْمَةِ وَحُكْمُ الْقِسْمَةِ جَبْرًا يَثْبُتُ فِيهِ فَيَثْبُتُ فِي الرَّقِيقِ أَيْضًا تَبَعًا وَقَدْ يَثْبُتُ حُكْمُ الْعَقْدِ فِي الشَّيْءِ تَبَعًا، وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ إثْبَاتُهُ فِيهِ مَقْصُودًا كَالشُّرْبِ وَالطَّرِيقِ فِي الْبَيْعِ وَالْمَنْقُولَاتِ فِي الْوَقْتِ وَكَأَنَّهُ اُسْتُحْسِنَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَلَّ مَا تَخْلُو تَرِكَةٌ يُحْتَاجُ فِيهَا إلَى قِسْمَةِ الْقَاضِي عَنْ الرَّقِيقِ وَإِذَا كَانَ مَعَ الرَّقِيقِ شَيْءٌ آخَرُ فَبِاعْتِبَارِ الْمُعَادَلَةِ فِي الْمَالِيَّةِ يَتَيَسَّرُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْكُلُّ رَقِيقًا فَعِنْدَ مُقَابَلَةِ الرَّقِيقِ بِالرَّقِيقِ يَعْظُمُ الْغَبْنُ وَالتَّفَاوُتُ وَعِنْدَ مُقَابَلَةِ الرَّقِيقِ بِمَالٍ آخَرَ يَقِلُّ التَّفَاوُتُ.

وَإِنْ كَانَ الَّذِي بَيْنَ الشُّرَكَاءِ ثَوْبٌ زُطِّيُّ وَثَوْبٌ هَرَوِيّ وَبِسَاطٌ وَوِسَادَةٌ لَمْ يَقْسِمْهُ إلَّا بِرِضَاهُمْ؛ لِأَنَّ فِي الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ الْقِسْمَةَ تَكُونُ بِطَرِيقِ الْمُعَاوَضَةِ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ يَتَمَلَّكُ عَلَى شَرِيكِهِ نَصِيبَهُ مِنْ الْجِنْسِ الَّذِي يَأْخُذُ عِوَضًا عَمَّا يَمْلِكُهُ مِنْ نَصِيبِ نَفْسِهِ مِنْ الْجِنْسِ الْآخَرِ وَفِي الْمُعَاوَضَاتِ لَا بُدَّ مِنْ

الصفحة 37