كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 15)

بِذَلِكَ)؛ لِأَنَّ هَذَا خَبَرٌ وَاحِدٌ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى وَقَدْ ظَهَرَ عَمَلُ النَّاسِ فِيهِ بِخِلَافِهِ فَإِنَّا نَرَى الطُّرُقَ الَّتِي اتَّخَذَهَا النَّاسُ فِي الْأَمْصَارِ مُتَفَاوِتَةً فِي الذَّرْعِ وَلَوْ كَانَ الْحَدِيثُ صَحِيحًا لَمَا اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى تَرْكِ الْعَمَلِ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمِقْدَارَ الثَّابِتَ بِالشَّرْعِ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَجَاوَزَهُ إلَى مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْهُ أَوْ أَقَلُّ، ثُمَّ يُحْمَلُ الْحَدِيثُ عَلَى تَأْوِيلٍ وَهُوَ أَنَّهُ كَانَ ذَلِكَ فِي حَادِثَةٍ بِعَيْنِهَا وَرَاءَ حَاجَةِ الشُّرَكَاءِ إلَى ذَلِكَ الْقَدْرِ مِنْ الطَّرِيقِ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَتْرُكُوا ذَلِكَ الْقَدْرَ وَيَبْنُوا فِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ لِبَيَانِ الْمَصْلَحَةِ لَهُمْ فِي ذَلِكَ لَا لِنَصِيبِ مِقْدَارٍ فِي الطَّرِيقِ شَرْعًا.

وَإِذَا كَانَتْ الدَّارُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَأَرَادَ قِسْمَتَهَا وَفِيهَا طَرِيقٌ لِغَيْرِهِمَا فَأَرَادَ صَاحِبُ الطَّرِيقِ أَنْ يَمْنَعَهُمَا مِنْ الْقِسْمَةِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَيَتْرُكُ الطَّرِيقَ عَرْضُهُ عَرْضُ بَابِ الدَّارِ الْأَعْظَمِ وَطُولُهُ مِنْ بَابِ الدَّارِ إلَى بَابِ الَّذِي لَهُ الطَّرِيقُ وَيَقْسِمُ بَقِيَّةَ الدَّارِ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ عَلَى حُقُوقِهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِصَاحِبِ الطَّرِيقِ فِي بَقِيَّةِ الدَّارِ وَيُتْرَكُ الطَّرِيقُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ جَمِيعُ الدَّارِ بَيْنَهُمَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَإِنَّ رَقَبَةَ الطَّرِيقِ مِلْكُهُمَا وَلَمْ يُبَاشِرْ فِيهِ قِسْمَةً فَيَبْقَى عَلَى مَا كَانَ بَيْنَهُمَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَلِصَاحِبِ الطَّرِيقِ مَمَرُّهُ فِي ذَلِكَ وَإِنَّمَا جَعَلَ الطَّرِيقَ بِعَرْضِ بَابِ الدَّارِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ طَرِيقٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَإِلَيْهِ يُرَدُّ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ وَلِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ لَهُ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَحْمِلُ فِي هَذَا الطَّرِيقِ مَا يُدْخِلُهُ مِنْ بَابِ الدَّارِ إلَى بَابِ دَارِهِ فَيَكْفِيه لِذَلِكَ طَرِيقٌ عَرْضُهُ عَرْضُ بَابِ الدَّارِ الْأَعْظَمِ وَطُولُهُ إلَى بَابِ دَارِهِ وَلَيْسَ لَهُمْ قِسْمَةُ هَذَا الطَّرِيقِ إلَّا أَنْ يَتَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ حَقَّ التَّطَرُّقِ فِيهِ مُسْتَحَقٌّ لِصَاحِبِ الطَّرِيقِ فَكَمَا لَا يَكُونُ لِصَاحِبَيْ الدَّارِ أَنْ يُفَوِّتَا ذَلِكَ عَلَيْهِ بِالْبِنَاءِ، فَكَذَلِكَ لَا يَكُونُ لَهُمَا أَنْ يُفَوِّتَا ذَلِكَ عَلَيْهِ بِالْقِسْمَةِ
وَإِنْ بَاعُوا هَذِهِ الدَّارَ وَهَذَا الطَّرِيقُ بِرِضَا مِنْهُمْ جَمِيعًا اقْتَسَمُوا الثَّمَنَ يَضْرِبُ فِيهِ صَاحِبُ الْأَرْضِ بِثُلُثِ الطَّرِيقِ وَصَاحِبُ الْمَمَرِّ بِالثُّلُثِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالطَّرِيقِ الْمُرُورُ فِيهِ وَصَاحِبُ الْمَمَرِّ فِي ذَلِكَ مُسَاوِي لِلشَّرِيكَيْنِ فِي رَقَبَةِ الطَّرِيقِ بِحَقٍّ مُسْتَحَقٍّ لَهُ فَسَاوَاهُمْ أَيْضًا فِي ثَمَنِ حِصَّةِ الطَّرِيقِ وَكَانَ الْكَرْخِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: تَأْوِيلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إذَا كَانَ هُوَ شَرِيكًا فِي أَصْلِ الطَّرِيقِ فَأَمَّا إذَا كَانَ لَهُ حَقُّ الْمَمَرِّ وَلَا شَرِكَةَ لَهُ فِي أَصْلِ الطَّرِيقِ فَلَا حِصَّةَ لَهُ مِنْ أَصْلِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ بِمُقَابَلَةِ الْعَيْنِ دُونَ الْمَنْفَعَةِ فَيَخْتَصُّ بِهِ مَالِكُ الْعَيْنِ وَقَدْ كَانَ لِصَاحِبِ الْمَمَرِّ حَقٌّ فِي الْمَنْفَعَةِ دُونَ الْعَيْنِ فَإِنْ رَضِيَ بِالْبَيْعِ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ رِضًا بِسُقُوطِ حَقِّهِ فَلَا يَكُونُ لَهُ فِي الثَّمَنِ شَرِكَةٌ (أَلَا تَرَى) أَنَّ بَيْعَ الْمَمَرِّ وَحْدَهُ بِدُونِ رَقَبَةِ الطَّرِيقِ لَا يَجُوزُ فَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ شَيْئًا مِنْ الثَّمَنِ لَا يُقَابِلُ مَا هُوَ حَقُّ صَاحِبِ الْمَمَرِّ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ قَالَ لِصَاحِبِ الْمَمَرِّ مِقْدَارُ حَقِّهِ مِنْ الثَّمَنِ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الطَّرِيقَ بَيْنَ

الصفحة 56