كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 15)

- رَحِمَهُ اللَّهُ - وَجْهُ قَوْلِهِمْ أَنَّ هَذِهِ مُؤْنَةٌ تَلْحَقُ الشُّرَكَاءَ بِسَبَبِ الْمِلْكِ فَيَكُونُ بَيْنَهُمْ عَلَى وَجْهِ النَّفَقَةِ عَلَى قَدْرِ الْمِلْكِ كَالنَّفَقَةِ وَأُجْرَةِ الْكَيَّالِ وَالْوَزَّانِ إنْ اسْتَأْجَرُوهُ لِيَفْعَلَ ذَلِكَ فِيمَا هُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمْ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا بِالْقِسْمَةِ أَنْ يَتَوَصَّلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إلَى الِانْتِفَاعِ بِنَصِيبِهِ وَمَنْفَعَةُ نَصِيبِ صَاحِبِ الْكَبِيرِ أَكْبَرُ مِنْ مَنْفَعَةِ نَصِيبِ صَاحِبِ الْقَلِيلِ أَوْ لِأَنَّ الْغُرْمَ مُقَابَلٌ بِالْغُنْمِ، ثُمَّ الْغُنْمُ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ عَلَى قَدْرِ الْمِلْكِ يَعْنِي الثِّمَارَ وَالْأَوْلَادَ، فَكَذَلِكَ الْغُرْمُ عَلَيْهِمْ بِقَدْرِ الْمِلْكِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ عَمَلَهُ لَهُمْ سَوَاءٌ وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِذَلِكَ فَيَكُونُ الْأَجْرُ عَلَيْهِمْ بِالتَّسْوِيَةِ كَمَا إذَا اسْتَوَتْ الْأَنْصِبَاءُ وَبَيَانُ الْوَصْفِ أَنَّ الْقَسَّامَ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِالْمِسَاحَةِ وَمَدِّ الْأَطْنَابِ وَالْمَشْيِ عَلَى الْحُدُودِ؛ فَإِنَّهُ لَوْ اسْتَعَانَ فِي ذَلِكَ بِأَرْبَابِ الْمِلْكِ اسْتَوْجَبَ كَمَالَ الْأَجْرِ إذَا قَسَّمَ بِنَفْسِهِ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ لَا يَسْتَوْجِبُ الْأَجْرَ بِالْقِسْمَةِ وَهِيَ تَمْيِيزُ نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَلَا تَفَاوُتَ بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ فَكَمَا يَتَمَيَّزُ نَصِيبُ صَاحِبِ الْكَبِيرِ بِعَمَلِهِ عَنْ نَصِيبِ صَاحِبِ الْقَلِيلِ يَتَمَيَّزُ نَصِيبُ صَاحِبِ الْقَلِيلِ عَنْ نَصِيبِ صَاحِبِ الْكَبِيرِ وَرُبَّمَا يَكُونُ عَمَلُهُ فِي نَصِيبِ صَاحِبِ الْقَلِيلِ أَكْبَرَ وَالْحِسَابُ لَا يَدِقُّ إذَا اسْتَوَتْ الْأَنْصِبَاءُ وَإِنَّمَا يَدِقُّ عِنْدَ تَفَاوُتِ الْأَنْصِبَاءِ وَتَزْدَادُ دِقَّتُهُ بِقِلَّةِ بَعْضِ الْأَنْصِبَاءِ فَلَعَلَّ تَمْيِيزَ نَصِيبِ صَاحِبِ الْقَلِيلِ أَسْوَأُ مِنْ تَمْيِيزِ نَصِيبِ الْكَبِيرِ وَلَكِنْ لَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّمْيِيزَ حَصَلَ بِعَمَلٍ وَاحِدٍ وَهُمَا فِي ذَلِكَ الْعَمَلِ سَوَاءٌ بِخِلَافِ الزَّوَائِدِ فَإِنَّهَا تَتَوَلَّدُ مِنْ الْمِلْكِ فَإِنَّمَا تَتَوَلَّدُ بِقَدْرِ الْمِلْكِ وَبِخِلَافِ النَّفَقَةِ فَإِنَّهَا لِإِبْقَاءِ الْمِلْكِ وَحَاجَةُ الْكَبِيرِ إلَى ذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ حَاجَةِ صَاحِبِ الْقَلِيلِ وَلَا مَعْنَى لِمَا قَالَ: إنَّ مَنْفَعَةَ صَاحِبِ الْكَثِيرِ هُنَا أَكْثَرُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لِكَثْرَةِ نَصِيبِهِ لَا لِلْعَمَلِ الَّذِي اسْتَوْجَبَ الْأَجْرَ بِهِ فَأَمَّا أَجْرُ الْكَيَّالِ وَالْوَزَّانِ فَقَدْ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا هُوَ عَلَى الْخِلَافِ فَإِنَّ الْمَكِيلَ وَالْمَوْزُونَ يُقْسَمُ بِذَلِكَ وَالْكَيَّالُ وَالْوَزَّانُ بِمَنْزِلَةِ الْقَسَّامِ
وَالْأَصَحُّ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا فَنَقُولُ هُنَا: إنَّمَا لَا يَسْتَوْجِبُ الْأَجْرَ بِعَمَلِهِ فِي الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اسْتَعَانَ فِي ذَلِكَ بِالشُّرَكَاءِ لَمْ يَسْتَوْجِبْ الْأَجْرَ وَعَمَلُهُ فِي ذَلِكَ بِالشُّرَكَاءِ لَمْ يَسْتَوْجِبْ الْأَجْرَ وَعَمَلُهُ فِي ذَلِكَ لِصَاحِبِ الْكَثِيرِ أَكْثَرُ فَكُلُّ عَاقِلٍ يَعْرِفُ أَنَّ كَيْلَ مِائَةِ قَفِيزٍ يَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ كَيْلِ عَشَرَةِ أَقْفِزَةٍ؛ فَلِهَذَا كَانَتْ الْأُجْرَةُ عَلَيْهِمَا بِقَدْرِ الْمِلْكِ بِخِلَافِ الْقَسَّامِ فَذَكَرَ أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَجْعَلَ لِقَاسِمِ الْأَرْضِينَ رِزْقًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ حَتَّى لَا يَأْخُذَ مِنْ النَّاسِ شَيْئًا، وَإِنْ لَمْ يَجْعَلْ رِزْقًا لَهُ فَقَسَمَ بِالْأَجْرِ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ لَيْسَتْ كَعَمَلِ الْقَضَاءِ فَالْقَضَاءُ فَرْضٌ هُوَ عِبَادَةٌ وَالْقَاضِي فِي ذَلِكَ نَائِبٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وَالْقِسْمَةُ

الصفحة 6