كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 15)
لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ إذَا قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ حَتَّى تَبْطُلَ قِسْمَتُهُ لِنَفْسِهِ وَسَائِرُ تَصَرُّفَاتِهِ إذَا قُتِلَ عَلَى الرِّدَّةِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَفِي حَقِّ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ أَوْلَى وَالْمَعْتُوهُ الْمَغْلُوبُ بِمَنْزِلَةِ الصَّغِيرِ فِي جَمِيعِ مَا وَصَفْنَا؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى تَصَرُّفِ الْوَلِيِّ لَهُ كَالصَّغِيرِ وَأَمَّا الْمُبَرْسَمُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَاَلَّذِي يُجَنُّ وَيُفِيقُ فَلَا تَجُوزُ عَلَيْهِ الْقِسْمَةُ إلَّا بِرِضَاهُ أَوْ وَكَالَتِهِ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ؛ لِأَنَّ بِهَذِهِ الْعَوَارِضِ لَا تَزُولُ وِلَايَتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَلَا يَصِيرُ مَوْلِيًّا عَلَيْهِ وَإِذَا كَانَ يَجُوزُ تَنْفِيذُ التَّصَرُّفِ لَهُ وَعَلَيْهِ بِرَأْيِهِ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ بِطَرِيقِ التَّوْكِيلِ فَلَا حَاجَةَ إلَى إقَامَةِ رَأْيِ الْوَلِيِّ مَقَامَ رَأْيِهِ بِخِلَافِ الصَّغِيرِ وَالْمَعْتُوهِ؛ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَنْفِيذُ التَّصَرُّفِ لَهُ وَعَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ رَأْيِهِ فِي ذَلِكَ فَأَقَمْنَا رَأْيَ الْوَلِيِّ مَقَامَ رَأْيِهِ لِتَحَقُّقِ الْحَاجَةِ وَأَهْلُ الذِّمَّةِ فِي الْقِسْمَةِ بِمَنْزِلَةِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ إلَّا فِي الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ يَكُونُ بَيْنَهُمْ فَأَرَادَ بَعْضُهُمْ قِسْمَتَهَا وَأَبَى بَعْضُهُمْ فَإِنِّي أُجْبِرُهُمْ عَلَى الْقِسْمَةِ كَمَا أُجْبِرُهُمْ عَلَى قِسْمَةِ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ فِي حَقِّهِمْ كَالْخَلِّ وَالْغَنَمِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ اقْتَسَمُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ خَمْرًا وَفَضَّلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي كَيْلِهَا لَمْ يَجُزْ الْفَضْلُ فِي ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَهُمْ؛ لِأَنَّهُ مَالُ الرِّبَا؛ فَإِنَّهُ مَكِيلٌ أَوْ مَوْزُونٌ وَفِي حُكْمِ الرِّبَا هُمْ يَسْتَوُونَ بِالْمُسْلِمِينَ فَهُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ عَقْدِ الذِّمَّةِ
وَإِذَا كَانَ وَصِيُّ الذِّمِّيِّ مُسْلِمًا كَرِهَتْ لَهُ مُقَاسَمَةُ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَلَكِنَّهُ يُوَكِّلُ مَنْ يَثِقُ بِهِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَيُقَاسِمُ الصَّغِيرَ وَيَبِيعُ ذَلِكَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ مَمْنُوعٌ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْقِسْمَةُ نَوْعُ تَصَرُّفٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يُفَوِّضَ ذَلِكَ إلَى ذِمِّيٍّ وَلَا يُشْكِلُ جَوَازُ ذَلِكَ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُوَكِّلَ الذِّمِّيَّ بِالتَّصَرُّفِ لَهُ فِي الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ، وَكَذَلِكَ عَلَى قَوْلِهِمَا هُنَا؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ نَائِبٌ عَنْ الصَّغِيرِ وَحُكْمُ تَصَرُّفِهِ يَثْبُتُ لِلصَّغِيرِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ يَرْجِعُ بِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ الْعُهْدَةِ فِي مَالِ الصَّغِيرِ وَالْوَصِيُّ فِيمَا يَأْمُرُ مِنْ ذَلِكَ كَالْقَاضِي وَأَمْرُ الْقَاضِي الذِّمِّيَّ بِالْبَيْعِ وَالْقِسْمَةِ فِي خُمُورِ يَتَامَى أَهْلِ الذِّمَّةِ صَحِيحٌ، فَكَذَلِكَ أَمْرُ الْوَصِيِّ بِهِ، وَإِنْ وَكَّلَ الذِّمِّيُّ الْمُسْلِمَ بِقِسْمَةِ مِيرَاثٍ فِيهِ خَمْرٌ وَخِنْزِيرٌ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ مِنْ الْمُسْلِمِ كَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ فِي الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَصَرَّفُ لِلْغَيْرِ بِوَكَالَتِهِ فِي مَالٍ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ لِنَفْسِهِ لَوْ كَانَ مَمْلُوكًا لَهُ وَلَيْسَ لِلْمُسْلِمِ الْوَكِيلِ أَنْ يُوَكِّلَ بِقِسْمَةِ ذَلِكَ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ لَمْ يَرْضَ بِرَأْيِ غَيْرِهِ فِيهِ فَإِنْ فُوِّضَ ذَلِكَ إلَيْهِ فَوَكَّلَ ذِمِّيًّا بِهِ جَازَ.
وَإِذَا أَسْلَمَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ فَوَكَّلَ ذِمِّيًّا بِمُقَاسَمَةِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ مَعَ سَائِرِ الْوَرَثَةِ جَازَ فِي قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَمْ يَجُزْ فِي قَوْلِهِمَا؛ لِأَنَّ فِي الْقِسْمَةِ مَعْنَى الْبَيْعِ فَهُوَ كَالْمُسْلِمِ يُوَكِّلُ الذِّمِّيَّ بِبَيْعِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَلَوْ أَخَذَ نَصِيبَهُ مِنْ الْخَمْرِ فَجَعَلَهُ خَلًّا كَانَ الْمُسْلِمُ ضَامِنًا
الصفحة 71
185