كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 15)

الْمَوْضِعِ أَصْلُ الِاسْتِحْقَاقِ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَا يَتَعَلَّقُ بِخُرُوجِ الْقُرْعَةِ، ثُمَّ الْقَاسِمُ لَوْ قَالَ: عَدَلْت أَنَا فِي الْقِسْمَةِ فَخُذْ أَنْتَ هَذَا الْجَانِبَ وَأَنْتَ هَذَا الْجَانِب كَانَ مُسْتَقِيمًا إلَّا أَنَّهُ رُبَّمَا يُتَّهَمُ فِي ذَلِكَ فَيَسْتَعْمِلُ الْقُرْعَةَ لِتَطْبِيبِ قُلُوبِ الشُّرَكَاءِ وَنَفْيِ تُهْمَةِ الْمَيْلِ عَنْ نَفْسِهِ، وَذَلِكَ جَائِزٌ، أَلَا تَرَى أَنَّ يُونُسَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي مِثْلِ هَذَا اسْتَعْمَلَ هَذِهِ الْقُرْعَةَ مَعَ أَصْحَابِ السَّفِينَةِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {: فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ} [الصافات: 141]. وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ هُوَ الْمَقْصُودُ وَلَكِنْ لَوْ أَلْقَى نَفْسَهُ فِي الْمَاءِ رُبَّمَا يُنْسَبُ إلَى مَا لَا يَلِيقُ بِالْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - فَاسْتَعْمَلَ الْقُرْعَةَ لِذَلِكَ وَكَذَلِكَ زَكَرِيَّا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - اسْتَعْمَلَ الْقُرْعَةَ مَعَ الْأَحْبَارِ فِي ضَمِّ مَرْيَمَ - عَلَيْهَا السَّلَامُ - إلَى نَفْسِهِ وَقَدْ كَانَ عَلِمَ أَنَّهُ أَحَقُّ بِهَا مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ خَالَتَهَا كَانَتْ تَحْتَهُ وَلَكِنْ اسْتَعْمَلَ الْقُرْعَةَ تَطْبِيبًا لِقُلُوبِهِمْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ} [آل عمران: 44].

ثُمَّ إنْ كَانَ الْقَاضِي هُوَ الَّذِي يُقَسِّمُ بِالْقُرْعَةِ أَوْ نَائِبُهُ فَلَيْسَ لِبَعْضِ الشُّرَكَاءِ أَنْ يَأْتِيَ ذَلِكَ بَعْدَ خُرُوجِ بَعْضِ السِّهَامِ كَمَا لَا يَلْتَفِتُ إلَى إبَاءِ بَعْضِ الشُّرَكَاءِ قَبْلَ خُرُوجِ الْقُرْعَةِ، وَإِنْ كَانَ الْقَاسِمُ يَقْسِمُ بَيْنَهُمْ بِالتَّرَاضِي فَرَجَعَ بَعْضُهُمْ بَعْدَ خُرُوجِ بَعْضِ السِّهَامِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا إذَا خَرَجَتْ السِّهَامُ كُلُّهَا إلَّا وَاحِدًا؛ لِأَنَّ التَّمْيِيزَ هُنَا يَعْتَمِدُ التَّرَاضِيَ بَيْنَهُمْ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَرْجِعَ قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ وَبِخُرُوجِ بَعْضِ السِّهَامِ لَا يَتِمُّ فَكَانَ هَذَا كَالرُّجُوعِ عَنْ الْإِيجَابِ قَبْلَ قَوْلِ الْمُشْتَرِي فَأَمَّا إذَا خَرَجَ جَمِيعُ السِّهَامِ إلَّا وَاحِدًا فَقَدْ تَمَّتْ الْقِسْمَةُ؛ لِأَنَّ نَصِيبَ ذَلِكَ الْوَاحِدِ تَعَيَّنَ خَرَجَ أَوْ لَمْ يَخْرُجْ فَلَا يَمْلِكُ بَعْضُهُمْ الرُّجُوعَ بَعْدَ تَمَامِ الْقِسْمَةِ.

دَارٌ بَيْنَ وَرَثَةٍ اقْتَسَمُوهَا وَفَضَّلُوا بَعْضًا عَلَى بَعْضٍ بِفَضْلِ قِيمَةِ الْبِنَاءِ وَعَلَى بَعْضٍ بِفَضْلِ قِيمَةِ الْبِنَاءِ وَالْمَوْضِعِ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي الْقِسْمَةِ الْمُعَادَلَةُ فِي الْمَالِيَّةِ وَالْمَنْفَعَةِ وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ فِي الْمُسَاوَاةِ فِي الزَّرْعِ وَالْبِنَاءُ يَكُونُ فِي جَانِبٍ دُونَ جَانِبٍ وَبَعْضُ الْعَرْصَةِ تَكُونُ أَفْضَلَ قِيمَةً مِنْ الْبَعْضِ وَأَكْثَرَ مَنْفَعَةً فَإِنَّ مُقَدِّمَ الدَّارِ يُرْغَبُ فِيهِ مَا لَا يُرْغَبُ فِي مُؤَخَّرِهِ وَفِي اعْتِبَارِ هَذِهِ الْمُعَادَلَةِ لَا بُدَّ مِنْ تَفْضِيلِ الْبَعْضِ عَلَى الْبَعْضِ فِي الْمِسَاحَةِ، وَإِنْ اقْتَسَمُوا الْأَرْضَ مِسَاحَةً وَالْبِنَاءُ وَالْقِيمَةَ قِيمَةً بِقِيمَةِ عَدْلٍ فَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَ التَّرَاضِي لَا يُشْكِلُ، وَكَذَلِكَ إذَا قَضَى الْقَاضِي بِهِ؛ لِأَنَّ الْمُعَادَلَةَ فِي الْأَرْضِ بِاعْتِبَارِ الْمِسَاحَةِ تَتَّسِرُ وَقَدْ يَتَعَذَّرُ ذَلِكَ فِي الْبِنَاءِ؛ لِمَا بَيْنَ الْأَبْنِيَةِ مِنْ التَّفَاوُتِ الْعَظِيمِ فِي الْقِيمَةِ فَقِسْمَةُ الْبِنَاءِ بِالتَّقْوِيمِ تَكُونُ أَعْدَلَ وَإِذَا جَازَ قِسْمَةُ الْكُلِّ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ فَقِسْمَةُ الْبَعْضِ كَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الْبِنَاءُ حِينَ اقْتَسَمُوا الْأَرْضَ غَيْرَ مَعْرُوفِ الْقِسْمَةِ فَهَذَا فِي الْقِيَاسِ لَا يَكُونُ؛ لِأَنَّ الْبِنَاءَ وَالْأَرْضَ تَتَنَاوَلُهُمَا قِسْمَةٌ وَاحِدَةٌ وَإِذَا لَمْ تُعْرَفْ قِيمَةُ الْبِنَاءِ فَقَدْ تَعَذَّرَ تَصْحِيحُ الْقِسْمَةِ فِي الْبِنَاءِ لِلْجَهَالَةِ فَلَا تَصِحُّ الْقِسْمَةُ فِي الْأَرْضِ أَيْضًا كَمَا هُوَ الْأَصْلُ فِي الْعَقْدِ

الصفحة 8