كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 16)

الْإِنْسَانُ الْمَنْفَعَةَ فِي شَيْءٍ، ثُمَّ يَتَبَيَّنُ لَهُ الضَّرَرُ فِي ذَلِكَ.
وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَتَّخِذَ لَهُ وَلِيمَةً، ثُمَّ بَدَا لَهُ فِي ذَلِكَ فَلَيْسَ لِلْأَجِيرِ أَنْ يُلْزِمَهُ اتِّحَادَ الْوَلِيمَةِ شَاءَ أَوْ أَبَى؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ عَلَيْهِ مِنْ الضَّرَرِ فِي إتْلَافِ مَالِهِ وَجَوَازُ الِاسْتِئْجَارِ لِلْمَنْفَعَةِ لَا لِضَرَرٍ إذَا عُرِفَ هَذَا فَنَقُولُ مِنْ الْعُذْرِ فِي اسْتِئْجَارِ الْبَيْتِ أَنْ يَنْهَدِمَ الْبَيْتُ، أَوْ يُهْدَمَ مِنْهُ مَا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْكُنَ فِيهِ، وَهَذَا مِنْ نَوْعِ الْعَيْبِ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَثُبُوتُ حَقِّ الْفَسْخِ بِهِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ تَقَبُّضَ الدَّارِ الْمَنَافِعَ لَا تَدْخُلُ فِي ضَمَانِهِ فَحُصُولُ هَذَا الْعَارِضِ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ كَحُصُولِهِ فِي يَدِ الْآجِرِ فَإِنْ أَرَادَ صَاحِبُ الْبَيْتِ أَنْ يَبِيعَهُ فَلَيْسَ هَذَا بِعُذْرٍ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي إيفَاءِ الْعَقْدِ إلَّا قَدْرَ مَا الْتَزَمَهُ عِنْدَ الْعَقْدِ وَهُوَ الْحَجْرُ عَلَى نَفْسِهِ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي الْمُسْتَأْجَرِ إلَى انْتِهَاءِ الْمُدَّةِ، وَإِنْ بَاعَهُ فَبَيْعُهُ بَاطِلٌ لَا يَجُوزُ لِعَجْزِهِ عَنْ التَّسْلِيمِ.
وَقَدْ بَيَّنَّا فِي الْبُيُوعِ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْبَيْعَ مَوْقُوفٌ عَلَى سُقُوطِ حَقِّ الْمُسْتَأْجِرِ، وَلَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْمُؤَاجِرِ دَيْنٌ فَحُبِسَ فِي دَيْنِهِ فَبَاعَهُ فَهَذَا عُذْرٌ؛ لِأَنَّ عِلَّتَهُ فِي إيفَاءِ الْعَقْدِ ضَرَرٌ لَمْ يَلْتَزِمْ ذَلِكَ بِالْعَقْدِ وَهُوَ الْحَبْسُ عَلَى سُقُوطِ حَقِّ الْمُسْتَأْجِرِ عَنْ الْعَيْنِ فَإِنَّ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ لَا يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْ الْعَيْنِ وَلَا يَثْبُتُ لِلْمُسْتَأْجِرِ حَقٌّ فِي مَالِيَّتِهِ فَيَكُونُ الْمَدْيُونُ مَجْبُورًا عَلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ مِنْ مَالِيَّتِهِ مَحْبُوسًا لِأَجْلِهِ إذَا امْتَنَعَ؛ فَلِهَذَا كَانَ ذَلِكَ عُذْرًا لَهُ فِي الْفَسْخِ، ثُمَّ ظَاهِرُ مَا يَقُولُ هُنَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَبِيعُهُ بِنَفْسِهِ فَيَجُوزُ.
وَقَدْ ذَكَرَ فِي الزِّيَادَاتِ أَنَّهُ يَرْفَعُ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي لِيَكُونَ هُوَ الَّذِي يَفْسَخُ الْإِجَارَةَ وَبَيْعَهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ هَذَا فَصْلٌ مُجْتَهَدٌ فِيهِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إمْضَاءِ الْقَاضِي كَالرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ.

وَإِنْ انْهَدَمَ مَنْزِلُ الْمُؤَاجِرِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْزِلٌ آخَرُ فَأَرَادَ أَنْ يَسْكُنَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُنْقِضَ الْإِجَارَةَ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فَوْقَ مَا الْتَزَمَهُ بِالْعَقْدِ فَإِنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ أَنْ يَكْتَرِيَ مَنْزِلًا آخَرَ أَوْ يَشْتَرِيَ، وَكَذَلِكَ إنْ أَرَادَ التَّحَوُّلَ مِنْ الْمِصْرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُخْرِجُ الْمَنْزِلَ مَعَ نَفْسِهِ فَلَا يَلْحَقُهُ ضَرَرٌ فَوْقَ مَا الْتَزَمَهُ بِالْعَقْدِ وَهُوَ تَرْكُ الْمَنْزِلِ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ إلَى هَذِهِ الْمُدَّةِ، وَإِنْ كَانَ هَذَا بَيْتًا فِي السُّوقِ يَبِيعُ فِيهِ وَيَشْتَرِي فَلَحِقَ الْمُسْتَأْجِرَ دَيْنٌ، أَوْ أَفْلَسَ فَقَامَ مِنْ السُّوقِ فَهَذَا عُذْرٌ وَلَهُ أَنْ يُنْقِضَ الْإِجَارَةَ؛ لِأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ لِلِانْتِفَاعِ وَهُوَ يَتَضَرَّرُ بِإِيفَاءِ الْعَقْدِ بَعْدَ مَا تَرَكَ تِلْكَ التِّجَارَةَ، أَوْ أَفْلَسَ ضَرَرًا لَمْ يَلْزَمْهُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ، وَكَذَلِكَ إذَا أَرَادَ التَّحَوُّلَ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَزِمَهُ الِامْتِنَاعُ مِنْ السَّفَرِ تَضَرَّرَ بِهِ ضَرَرًا لَمْ يَلْتَزِمْهُ بِالْعَقْدِ، وَبَعْدَ خُرُوجِهِ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالْبَيْتِ فَإِنْ قَالَ رَبُّ الْبَيْتِ إنَّهُ يَتَعَلَّلُ وَلَا يُرِيدُ الْخُرُوجَ حَلَّفَ الْقَاضِي الْمُسْتَأْجِرَ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَتْرُكُ مَا كَانَ عَزَمَ عَلَيْهِ مِنْ التِّجَارَةِ فِي الْحَانُوتِ إلَّا إذَا أَرَادَ

الصفحة 3