كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 16)

مَا هُوَ فَرْضٌ عَلَيْهِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَثَلُ الَّذِينَ يَغْزُونَ مِنْ أُمَّتِي وَيَأْخُذُونَ عَلَى ذَلِكَ أَجْرًا كَمَثَلِ أُمِّ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَتْ تُرْضِعُ وَلَدَهَا وَتَأْخُذُ الْأَجْرَ مِنْ فِرْعَوْنَ».

وَلَوْ شَارَطَ كَحَّالًا أَنْ يُكَحِّلَ عَيْنَهُ شَهْرًا بِدِرْهَمٍ جَازَ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الدَّوَاءُ فِي كُلِّ دَاءٍ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ مَعْلُومٌ عِنْدَ أَهْلِ الصَّنْعَةِ وَالِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ مُتَعَارَفٌ بَيْنَ النَّاسِ

وَإِذَا اسْتَأْجَرَ فَحْلًا لِيُنْزِيَهُ لَمْ يَجُزْ لِلْأَثَرِ الَّذِي جَاءَ بِهِ النَّهْيُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ التَّيْسِ، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْمَاءُ وَلَا قِيمَةَ لَهُ وَصَاحِبُ الْفَحْلِ يَلْتَزِمُ إيفَاءَ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ وَلَا تَجُوزُ الْإِجَارَةُ عَلَى تَعْلِيمِ الْغِنَاءِ وَالنَّوْحِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَعْصِيَةٌ

وَإِنْ سَلَّمَ غُلَامًا إلَى مُعَلِّمٍ لِيُعَلِّمَهُ عَمَلًا وَشَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يُحَذِّقَهُ فَهَذَا فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ التَّحْذِيقَ مَجْهُولٌ إذْ لَيْسَ لِذَلِكَ غَايَةٌ مَعْلُومَةٌ وَهَذِهِ جَهَالَةٌ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ بَيْنَهُمَا، وَكَذَلِكَ لَوْ شَرَطَ فِي ذَلِكَ أَشْهُرًا مُسَمَّاةً؛ لِأَنَّهُ يَلْتَزِمُ إيفَاءَ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ فَالتَّحْذِيقُ لَيْسَ فِي وُسْعِ الْمُعَلِّمِ بَلْ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ شَيْءٍ فِي خِلْقَةِ الْمُتَعَلِّمِ، ثُمَّ فِيمَا سُمِّيَ مِنْ الْمُدَّةِ لَا يَدْرِي أَنَّهُ هَلْ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُحَذِّقَهُ كَمَا شَرَطَ أَمْ لَا وَالْتِزَامُ تَسْلِيمِ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ بِعَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ لَا يَجُوزُ.

، وَلَوْ أَجَّرَ أَرْضِهِ بِدَرَاهِمَ وَشَرَطَ خَرَاجَهَا عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ فَهَذَا فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الْخَرَاجَ مَجْهُولٌ لَا يُعْرَفُ مِنْ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - مَنْ يَقُولُ مُرَادُهُ فِي الْأَرَاضِي الصُّلْحِيَّةِ فَالْمَالُ فِي ذَلِكَ يُقْسَمُ عَلَى الْجَمَاجِمِ وَالْأَرَاضِي فَتَزْدَادُ حِصَّةُ الْأَرَاضِي إذَا قُلْتِ الْجَمَاجِمُ وَتَنْقُصُ بِكَثْرَةِ الْجَمَاجِمِ. فَأَمَّا فِي جِرَاحِ الْوَظِيفَةِ لَا جَهَالَةَ فِي الْمِقْدَارِ وَقِيلَ أَنَّ مُرَادَهُ مِنْ هَذَا إنَّ وُلَاةَ الظَّلَمَةِ أَلْحَقُوا بِالْخَرَاجِ رَوَادِفَ يَزْدَادُ ذَلِكَ تَارَةً وَيَتَنَقَّصُ أُخْرَى فَيَكُونُ مَجْهُولًا وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّ الْخَرَاجَ بِحَسَبِ الطَّاقَةِ وَرِيعُ الْأَرْضِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي قَوْلِهِ لَعَلَّكُمَا حَمَّلْتُمَا الْأَرْضَ مَا لَا تُطِيقُ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَعْطَاهُ بِغَيْرِ أَجْرٍ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَ خَرَاجَهَا فَإِنَّ الْخَرَاجَ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ. فَإِذَا شَرَطَهُ عَلَى الْمُزَارِعِ يَكُونُ ذَلِكَ أُجْرَةً وَجَهَالَةُ الْأُجْرَةِ تُفْسِدُ الْإِجَارَةَ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي كُلِّ جَرِيبٍ دِرْهَمٌ وَقَفِيزٌ مِمَّا يُخْرِجُهُ، وَذَلِكَ مَجْهُولُ الْجِنْسِ فِي الصِّفَةِ، وَلَوْ أَجَّرَهَا وَشَرَطَ الْعُشْرَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ الْعُشْرَ عِنْدَهُ عَلَى الْمُؤَاجِرِ.
فَإِذَا شَرَطَهُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ كَأَنْ أَجَّرَهُ وَهُوَ مَجْهُولُ الْجِنْسِ وَالْقَدْرِ وَعِنْدَهُمَا الْعُشْرُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ فَلَا يَصِيرُ اشْتِرَاطُ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَخَرَاجُ الْمُقَاسَمَةِ نَظِيرُ الْعُشْرِ فِيمَا ذَكَرْنَا. وَإِذَا كَانَ الْأَجْرُ كَذَا دِرْهَمًا وَدِينَارًا، أَوْ فَلْسًا فَهُوَ جَائِزٌ وَلَهُ نَقْدُ الْبَلَدِ وَوَزْنُهُمْ فَإِنْ كَانَ وَزْنُهُمْ مُخْتَلِفًا فَهُوَ فَاسِدٌ حَتَّى يُبَيِّنَ الْوَزْنَ بِمَنْزِلَةِ الثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ.

وَإِنْ جَعَلَ الْأَجْرَ دَرَاهِمَ مُسَمَّاةً عَدَدًا بِغَيْرِ وَزْنٍ وَبِغَيْرِ عَيْنِهَا فَهُوَ فَاسِدٌ وَمُرَادُهُ فِي الدَّرَاهِمِ

الصفحة 41