كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 16)

إلَى أَجْنَبِيٍّ آخَرَ، وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ هُوَ الَّذِي أَجَّرَ نَفْسَهُ فَهُوَ بَرِيءٌ مِنْ الْأَجْرِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْعَاقِدُ وَإِلَيْهِ قَبْضُ الْبَدَلِ بِحُكْمِ الْعَقْدِ وَلَهُ أَنْ يُكَلِّفَهُ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ خِدْمَةِ الْبَيْتِ وَبِأَمْرِهِ أَنْ يَغْسِلَ ثَوْبَهُ، وَأَنْ يَخِيطَ وَيَخْبِزَ وَيَعْجِنَ إذَا كَانَ يُحْسِنُ ذَلِكَ وَيُعَلِّقَ عَلَى دَابَّتِهِ وَيَنْزِلَ بِمَتَاعِهِ مِنْ ظَهْرِ بَيْتٍ، أَوْ يَرْقَى بِهِ إلَيْهِ وَيَحْلُبَ شَاتَه وَيَسْتَقِيَ لَهُ مِنْ مَاءِ الْبِئْرِ فَهَذَا كُلُّهُ يُعَدُّ مِنْ الْخِدْمَةِ وَمَا يَكُونُ مِنْ الْخِدْمَةِ مَعْلُومٌ عِنْدَ النَّاسِ بِاعْتِبَارِ الْعَادَةِ، وَفِي اشْتِرَاطِ تَسْمِيَةِ كُلِّ ذَلِكَ عِنْدَ الْعَقْدِ حَرَجٌ وَالْحَرَجُ مَدْفُوعٌ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُقْعِدَهُ خَيَّاطًا وَلَا فِي صِنَاعَةٍ مِنْ الصِّنَاعَاتِ، وَإِنْ كَانَ حَاذِقًا فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ لِلْخِدْمَةِ، وَهَذَا الْعَمَلُ مِنْ التِّجَارَةِ لَيْسَ مِنْ الْخِدْمَةِ فِي شَيْءٍ، وَلَيْسَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ إطْعَامُهُ إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ بِذَلِكَ، أَوْ يَكُونَ فِيهِ عُرْفًا ظَاهِرًا فَلَهُ أَنْ يَأْمُرَهُ بِخِدْمَةِ أَضْيَافِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ خِدْمَتِهِ فَالْإِنْسَانُ يَسْتَأْجِرُ الْخَادِمَ لِيَنُوبَ عَنْهُ فِيمَا هُوَ مِنْ حَوَائِجِهِ وَخِدْمَةُ أَضْيَافِهِ مِنْ جُمْلَةِ حَوَائِجِهِ وَلَهُ أَنْ يُؤَاجِرَهُ مِنْ غَيْرِهِ لِلْخِدْمَةِ؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا لَا يَتَفَاوَتُ النَّاسُ فِيهِ عَادَةً كَسُكْنَى الدَّارِ وَنَحْوِهِ، وَلِأَنَّ الْعَبْدَ عَاقِلٌ لَا يَنْقَادُ إذَا كُلِّفَ فَوْقَ طَاقَتِهِ، وَبَعْدَ الطَّاقَةِ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَسْتَخْدِمَهُ الْمُسْتَأْجِرُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي.

وَإِنْ تَزَوَّجَ الْمُسْتَأْجِرُ امْرَأَةً فَقَالَ لَهَا اخْدِمِينِي وَعِيَالِي فَلَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ خِدْمَةَ الْعِيَالِ مِنْ حَوَائِجِهِ، وَإِنَّمَا يَسْتَأْجِرُ الْخَادِمَ فِي الْعَادَةِ لِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ إنْ كَانَتْ هِيَ الْمُسْتَأْجِرَةُ فَتَزَوَّجَتْ فَقَالَتْ اخْدِمْنِي وَزَوْجِي فَلَهَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ حَوَائِجِهَا وَهُوَ أَظْهَرُ فَخِدْمَةُ الزَّوْجِ عَلَيْهَا فَإِنَّمَا اسْتَأْجَرَتْهُ لِيَنُوبَ عَنْهَا فِيمَا يَحِقُّ عَلَيْهَا

وَإِنْ اسْتَأْجَرَتْ امْرَأَةٌ رَجُلًا لِيَخْدُمَهَا فَهُوَ جَائِزٌ وَأَكْرَهُ أَنْ يَخْلُوَ بِهَا حُرًّا كَانَ، أَوْ عَبْدًا لِمَا فِيهِ مِنْ خَوْفِ الْفِتْنَةِ.

وَإِذَا اسْتَأْجَرَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ0 لِتَخْدُمَهُ كُلَّ شَهْرٍ بِأَجْرٍ مُسَمًّى لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ خِدْمَةَ الْبَيْتِ مُسْتَحَقَّةٌ عَلَيْهَا دِينًا وَمَطْلُوبٌ مِنْهَا بِالنِّكَاحِ عُرْفًا عَلَى مَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا زَوَّجَ فَاطِمَةُ مِنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - جَعَلَ أُمُورَ دَاخِلِ الْبَيْتِ عَلَيْهَا وَأُمُورَ خَارِجِ الْبَيْتِ عَلَيْهِ»، وَلِأَنَّ الشَّرْعَ أَلْزَمَهُ نَفَقَتَهَا لِتَقُومَ بِخِدْمَةِ بَيْتِهِ فَلَا تَسْتَحِقُّ مَعَ ذَلِكَ أَجْرًا آخَرَ، وَإِنْ سَمَّى.

وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا لِتُرْضِعَ وَلَدًا لَهُ مِنْ غَيْرِهَا، أَوْ لِتَرْعَى دَوَابَّهُ، أَوْ تَعْمَلَ عَمَلًا سِوَى خِدْمَةِ الْبَيْتِ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ هَذَا الْعَمَلَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهَا وَلَا مَطْلُوبٌ بِالنِّكَاحِ مِنْهَا.

وَإِنْ اسْتَأْجَرَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا لِيَخْدُمَهَا فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ خِدْمَتَهَا غَيْرُ مُسْتَحَقَّةٍ عَلَى الزَّوْجِ. وَقَالَ فِي كِتَابِ الْآثَارِ لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ الْخِدْمَةِ؛ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُ مَذَلَّةٌ بِأَنْ يَخْدُمَ زَوْجَتَهُ، وَذَلِكَ عُذْرٌ فِي فَسْخِ الْإِجَارَةِ كَالْحُرَّةِ إذَا أَجَّرَتْ نَفْسَهَا لِلظُّئُورَةِ وَلَمْ تَكُنْ مَعْرُوفَةً بِذَلِكَ، وَلَوْ خَدَمَهَا كَانَ لَهُ الْأَجْرُ عَلَيْهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَأْجَرَتْهُ يَرْعَى غَنَمَهَا، أَوْ يَقُومُ عَلَى عَمَلٍ لَهَا فَإِنَّهُ فِي ذَلِكَ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ.

وَإِنْ اسْتَأْجَرَ الرَّجُلُ ابْنَهُ

الصفحة 55