كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 18)

وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ فَإِنَّ لَحِقَ الْمَيِّتَ دَيْنٌ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِنْ اتَّبَعَ صَاحِبُ الدَّيْنِ الِابْنَ الَّذِي لَمْ يَعْفُ فَلَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَا فِي يَدِهِ مِنْ نِصْفِ الدِّيَةِ تَرِكَةُ الْمَيِّتِ فَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ دَيْنَهُ، فَإِذَا اسْتَوْفَاهُ بَقِيَ الْمَقْبُوضُ سَالِمًا لِلْغَرِيمِ الْأَوَّلِ وَلَا شَيْءَ لِلَّذِي عَفَى
وَإِنْ اتَّبَعَ الْغَرِيمُ الثَّانِي الْغَرِيمَ الْأَوَّلَ اسْتَرَدَّ مِنْهُ الْمَقْبُوضَ؛ لِأَنَّ دَيْنَهُ كَانَ وَاجِبًا فِي صِحَّتِهِ فَلَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَا ظَهَرَ مِنْ دَيْنِهِ الْآنَ لَوْ كَانَ ظَاهِرًا كَانَ حَقُّهُ مُقَدَّمًا عَلَى حَقِّ الْمُقَرِّ لَهُ فِي الْمَرَضِ وَلَا ثَمَّ لِلْمُقَرِّ لَهُ فِي الْمَرَضِ شَيْءٌ مِمَّا قَبَضَ فَكَذَلِكَ هُنَا لَهُ أَنْ يَنْقُضَ قَبْضَهُ، وَإِذَا نَقَضَ قَبْضَهُ أَخَذَ الْأَلْفَ كُلَّهَا بِدَيْنِهِ وَاتَّبَعَ الْمُقَرُّ لَهُ فِي الْمَرَضِ الِابْنَ الَّذِي لَمْ يَعْفُ وَأَخَذَ مِنْهُ أَلْفًا لِأَنَّ مَا فِي يَدِهِ مِنْ نِصْفِ الدِّيَةِ تَرِكَةُ الْمَيِّتِ، ثُمَّ يَتْبَعُ الِابْنُ أَلْفًا فِي الِابْنِ الَّذِي لَمْ يَعْفُ وَيَأْخُذُ مِنْهُ نِصْفَ سُدُسِ أَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْأَوَّلِ لَمَّا انْتَقَضَ صَارَ كَأَنَّ الْمَيِّتَ لَمْ يُعْطِهِ شَيْئًا، وَلَكِنَّهُ مَاتَ وَتَرَكَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ أَلْفَا دِرْهَمٍ وَجُمْلَةُ تَرِكَتِهِ سِتَّةُ آلَافٍ الْأَلْفُ الْمَتْرُوكَةُ مَعَ نِصْفِ الدِّيَةِ فَيُقْضَى الدَّيْنُ أَوَّلًا مِنْ جَمِيعِ التَّرِكَةِ وَيَبْقَى أَرْبَعَةُ آلَافٍ سَتُقْسَمُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ عَلَى مَا كَانَ يُقْسَمُ عَلَيْهِ جَمِيعُ التَّرِكَةِ أَنْ لَوْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ دَيْنٌ، وَذَلِكَ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ سَهْمًا سَهْمٌ مِنْهُ لِلْعَافِي وَأَحَدَ عَشَرَ لِلَّذِي لَمْ يَعْفُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَتْبَعْ الْغَرِيمُ الثَّانِي الْغَرِيمَ الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ الْمَقْبُوضَ يَبْقَى سَالِمًا لَهُ فَلَا يَكُونُ مَحْسُوبًا مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ وَلَا شَيْءَ لِلْعَافِي فَصَارَ رُجُوعُ الْغَرِيمِ الثَّانِي عَلَى الْغَرِيمِ الْأَوَّلِ نَافِعًا لِلِابْنِ الْعَافِي مُضِرًّا لِلْغَرِيمِ الْأَوَّلِ فِي نَقْضِ قَبْضِهِ كَمَا قِيلَ. مَصَائِبُ قَوْمٍ عِنْدَ قَوْمٍ فَوَائِدُ.

مَرِيضٌ وَهَبَ عَبْدًا لَهُ لِرَجُلٍ وَقَبَضَهُ وَقِيمَتُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ، ثُمَّ قُتِلَ الْعَبْدُ الْمَرِيضُ عَمْدًا وَلَهُ ابْنَانِ فَعَفَى أَحَدُهُمَا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ فَلَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ؛ لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ بِالْقَبْضِ صَارَ مَمْلُوكًا لَهُ قَائِمًا حَتَّى مَلَكَهُ عَلَى الْوَاهِبِ، وَفِي جِنَايَةِ الْمَمْلُوكِ إذَا وَجَبَ الْمَالُ كَانَ الْمَالِكُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ، وَقَدْ وَجَبَ الْمَالُ هُنَا يَعْفُو أَحَدُ الِابْنَيْنِ إنْ اخْتَارَ أَنْ يَفْدِيَهُ بِنِصْفِ الدِّيَةِ، وَهُوَ خَمْسَةُ آلَافٍ يُسَلَّمُ الْعَبْدُ كُلُّهُ لَهُ؛ لِأَنَّ نِصْفَ الدِّيَةِ مَعَ رَقَبَتِهِ مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ فَكَانَتْ الرَّقَبَةُ دُونَ الثُّلُثِ فَتُنَفَّذُ الْهِبَةُ فِي جَمِيعِهِ وَيَكُونُ نِصْفُ الدِّيَةِ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ لِلْعَافِي مِنْهَا نِصْفُ سُدُسِهَا؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ إنَّمَا يُسَلَّمُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ بِطَرِيقِ الْوَصِيَّةِ وَضَرَرُ تَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ يَكُونُ عَلَى جَمِيعِ الْوَرَثَةِ لِحِصَّتِهِمْ فَيُقَسَّمُ مَا بَقِيَ مِنْ التَّرِكَةِ بَيْنَ الِابْنَيْنِ عَلَى مَا كَانَ يُقَسَّمُ عَلَيْهِ أَنْ لَوْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ وَصِيَّةٌ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ مَسْأَلَةِ الْوَدِيعَةِ وَالدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْوَدِيعَةَ وَمَا قَضَى بِهِ الدَّيْنَ لَيْسَ مِنْ جُمْلَةِ تَرِكَتِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ فَلَا يَثْبُتُ فِيهِ حَقُّ الْعَافِي وَهُنَا مَا يُنَفَّذُ فِيهِ الْهِبَةُ لَا يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ جُمْلَةِ التَّرِكَةِ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ فِي الْمَرَضِ وَصِيَّةٌ

الصفحة 41