كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 18)

الْوَدِيعَةِ فَعِنْدَ الِاقْتِرَانِ يُجْعَلُ الْأَقْوَى مُقَدَّمًا كَدَعْوَى الِاسْتِيلَادِ مَعَ دَعْوَةِ التَّحْرِيرِ (وَتَقْدِيرُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ) أَحَدُهُمَا أَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ السَّبْقُ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ عِنْدَ الِاقْتِرَانِ وَالسَّبْقُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي صِحَّةِ الْإِقْرَارِ الْوَدِيعَةِ فَكَانَ هُوَ الصَّحِيحَ فِي حَالِ الِاقْتِرَانِ، وَالثَّانِي أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْعَيْنِ بِالْإِقْرَارِ الْوَدِيعَةِ يَسْبِقُ؛ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ اسْتِحْقَاقَ الْعَيْنِ بِنَفْسِهِ، فَأَمَّا الْإِقْرَارُ بِالدَّيْنِ يُثْبِتُ الدَّيْنَ فِي الذِّمَّةِ، وَلَمْ يَسْتَحِقَّ بِهِ الْعَيْنَ فَكَانَ سَبْقُ الْوَدِيعَةِ فِي الْمُوجِبِ كَسَبْقِ الْإِقْرَارِ بِهَا نَصًّا وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: مَا ظَهَرَ الْإِقْرَارُ الْوَدِيعَةِ إلَّا وَالدَّيْنُ ظَاهِرٌ مَعَهُ فَيَمْنَعُ ظُهُورُ الدَّيْنِ اخْتِصَاصَ الْمُودِعِ الْوَدِيعَةِ؛ لِأَنَّ مَا يَرْفَعُ الشَّيْءَ إذَا سَبَقَهُ، فَإِذَا اقْتَرَنَ بِهِ لَمَنَعَهُ أَيْضًا كَنِكَاحِ الْحُرَّةِ مَعَ الْأَمَةِ وَهُنَا إنْ سَبَقَ الْإِقْرَارُ بِالدَّيْنِ رُفِعَ حَقُّ اخْتِصَاصِ الْمَدْفُوعِ الْوَدِيعَةِ، فَإِذَا اقْتَرَنَ بِهِ مَعَ ثُبُوتِ حَقِّ الِاخْتِصَاصِ لَهُ وَصَارَ الْوَارِثُ كَالْمُسْتَهْلِكِ الْوَدِيعَةَ فَصَحَّ الْإِقْرَارُ بِالدَّيْنِ وَبِالْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ يَصِيرُ مُسْتَهْلِكًا لِلْوَدِيعَةِ فَيَصِيرُ إقْرَارًا بِدَيْنَيْنِ فَيَتَحَاصَّانِ فِيهِ.

رَجُلٌ مَاتَ وَتَرَكَ ثَلَاثَةَ بَنِينَ وَثَلَاثَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ فَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ نَصِيبَهُ وَادَّعَى رَجُلٌ عَلَى أَيِّهِمْ ثَلَاثَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ فَصَدَّقَهُ الْأَكْبَرُ فِيهَا وَصَدَّقَهُ الْأَوْسَطُ فِي أَلْفَيْنِ مِنْهَا وَصَدَّقَهُ الْأَصْغَرُ فِي أَلْفٍ مِنْهَا فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَأْخُذُ الْمُقَرُّ لَهُ مِنْ الْأَكْثَرِ جَمِيعَ مَا فِي يَدِهِ وَمِنْ الْأَوْسَطِ خَمْسَةَ أَسْدَاسِ مَا فِي يَدِهِ وَمِنْ الْأَصْغَرِ ثُلُثَ مَا فِي يَدِهِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَأْخُذُ مِنْ الْأَوْسَطِ جَمِيعَ مَا فِي يَدِهِ وَبَاقِي الْجَوَابِ كَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْمُقَرَّ لَهُ يَبْدَأُ بِالْأَكْبَرِ لِإِقْرَارِهِ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي التَّرِكَةِ وَأَنَّ جَمِيعَ مَا فِي يَدِهِ لِلْمُقَرِّ لَهُ فَهُوَ مُوَافِقٌ لَهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَيَأْخُذُ مَا فِي يَدِهِ، وَهُوَ الْأَلْفُ، ثُمَّ يُثَنِّي بِالْأَوْسَطِ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى مُوَافَقَتِهِ مِنْ الْأَصْغَرِ فَيَقُولُ لِلْأَوْسَطِ قَدْ أَقْرَرْتَ لِي بِدَيْنِ الْعَيْنِ وَمَا وَصَلَ إلَى الْأَلْفِ، فَقَدْ بَقِيَ مِنْ دَيْنِي أَلْفٌ بِزَعْمِكَ وَالدَّيْنُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمِيرَاثِ فَيُقْضَى مِنْ أَيْسَرِ الْمَالَيْنِ قَضَاءً فَهَاتِ جَمِيعَ مَا فِي يَدِكَ فَلَا يَجِدُ بُدًّا مِنْ قَوْلِهِ نَعَمْ فَيَأْخُذُ مِنْهُ جَمِيعَ مَا فِي يَدِهِ، ثُمَّ يَأْتِي الْأَصْغَرُ بِقَوْلِ أَنَا أَقْرَرْتُ أَنَّ دَيْنَكَ أَلْفُ دِرْهَمٍ ثُلُثُهُ فِي يَدِي وَثُلُثَاهُ فِي يَدِ شَرِيكِي، وَقَدْ وَصَلَ إلَيْكَ ذَلِكَ مِنْ جِهَتِهِ وَزِيَادَةٌ فَلَا أُعْطِيكَ إلَّا مَا أَقْرَرْتُ لَكَ بِهِ، وَهُوَ ثُلُثُ مَا فِي يَدِي فَلِهَذَا يَأْخُذُ مِنْهُ ثُلُثَ الْأَلْفِ. وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْمَالُ الْمُقَرُّ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ هُوَ الْمَالُ فَيَقُولُ أَلْفٌ مِنْ الْجُمْلَةِ، وَهُوَ مَا أَقَرَّ بِهِ الْأَصْغَرُ اتَّفَقَتْ الثَّلَاثَةُ عَلَى كَوْنِهَا دَيْنًا فَيَبْدَأُ الْمُقَرُّ لَهُ بِاسْتِيفَاءِ تِلْكَ الْأَلْفَ مِنْ ثَلَاثَتِهِمْ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ مِنْهُمْ ثُلُثًا، ثُمَّ لَمْ يَبْقَ لَهُ سَبِيلٌ عَلَى الْأَصْغَرِ وَيَأْتِي الْأَوْسَطُ فَيَقُولُ الْأَوْسَطُ: أَنَا قَدْ

الصفحة 46