كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 18)

الْخِيَارُ إلَيْهِ، وَبَيَانُهُ مُطَابِقٌ لِلَفْظِهِ فَكَانَ مَقْبُولًا مِنْهُ، وَإِنْ حَلَفَ الْمُقِرُّ عَلَى كُلِّهِنَّ لَمْ يُقْبَلْ ذَلِكَ وَيُجْبَرُ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ شَاةً مِنْهَا؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِالْإِقْرَارِ، ثُمَّ بِتَصْدِيقِ الْمُقَرِّ لَهُ فِيمَا أَقَرَّ بِهِ فَلَا يَبْطُلُ ذَلِكَ بِالْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ الْمُقَرَّ لَهُ هُنَاكَ صَارَ رَادًّا لِإِقْرَارِهِ فِيمَا سِوَى الَّتِي عَيَّنَهَا، وَإِقْرَارُهُ غَيْرُ مُوجِبٍ اسْتِحْقَاقَ تِلْكَ الشَّاةِ بِعَيْنِهَا.
وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا شَيْئًا مِنْهَا، وَقَالَ: لَا أَدْرِي أَوْ رَجَعَ الْمُقِرُّ عَنْ إقْرَارِهِ وَجَحَدَ فَهُوَ شَرِيكُهُ فِيهَا، فَقَدْ جَمَعَ فِي السُّؤَالِ بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ وَأَجَابَ عَنْ أَحَدِهِمَا، وَهُوَ مَا إذَا قَالَ لَا أَدْرِي فَهُنَاكَ تَكُونُ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا ثَابِتَةً لِاخْتِلَاطِ مِلْكِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ عَلَى وَجْهٍ يَتَعَذَّرُ تَمْيِيزُهُ حَتَّى إذَا كَانَتْ الْغَنَمُ عَشْرًا فَلَهُ عُشْرُ كُلِّ شَاةٍ، وَإِنْ مَاتَتْ شَاةٌ مِنْهَا ذَهَبَتْ مِنْ مَالِهِمَا، وَإِنْ وَلَدَتْ شَاةٌ مِنْهَا كَانَ لَهُمَا جَمِيعًا عَلَى ذَلِكَ الْحِسَابِ هَذَا هُوَ الْحُكْمُ فِي الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ أَنَّ الزِّيَادَةَ لَهُمَا وَالْهَلَاكَ عَلَيْهِمَا، فَأَمَّا إذَا جَحَدَ الْمُقِرُّ أَصْلًا وَمَنَعَ الْغَنَمَ فَهُوَ ضَامِنٌ لَنَصِيبِ الْمُقَرِّ لَهُ حَتَّى إذَا هَلَكَتْ شَاةٌ مِنْهَا ضَمِنَ مِقْدَارَ نَصِيبِ شَرِيكِهِ مِنْهَا، وَهُوَ الْعُشْرُ، وَإِنْ مَاتَ الْمُقِرُّ فَوَرَثَتُهُ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَتِهِ؛ لِأَنَّهُمْ خُلَفَاؤُهُ فِي مِلْكِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ الشَّأْنُ لِلْمُقِرِّ لِاخْتِلَاطِ مِلْكِهِ بِمِلْكِ غَيْرِهِ وَوَرَثَتُهُ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَتِهِ إلَّا أَنَّهُمْ يُسْتَحْلَفُونَ عَلَى الْعِلْمِ لِأَنَّ يَمِينَهُمْ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ، وَأَنْوَاعُ الْحَيَوَانِ وَالرَّقِيقِ وَالْعُرُوضِ فِي هَذَا مِثْلُ الْغَنَمِ.

وَلَوْ قَالَ: لَهُ فِي دَرَاهِمِي عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَهِيَ مِائَةٌ فَلِلْمُقَرِّ لَهُ مِنْهَا عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَزْنُ سَبْعَةٍ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الدَّرَاهِمَ عِبَارَةٌ عَنْ الْوَزْنِ، وَالْمِعْيَارُ فِيهِ وَزْنُ سَبْعَةٍ فَيَنْصَرِفُ مُطْلَقُ الْإِقْرَارِ إلَيْهِ وَالْإِقْرَارُ بِهِ فِي مَالِهِ، وَفِي ذِمَّتِهِ سَوَاءٌ، وَإِنْ كَانَ فِي الدَّرَاهِمِ صِغَارٌ نَقْصٌ وَكِبَارٌ وَمَالُ الْمُقِرِّ هِيَ عَشَرَةٌ نَقْصٌ لَمْ يَصَّدَّقْ؛ لِأَنَّ هَذَا بَيَانٌ فِيهِ تَغْيِيرُ مُوجَبِ كَلَامِهِ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ مَفْصُولًا، وَإِنْ كَانَ فِيهَا زُيُوفٌ، فَقَالَ هِيَ مِنْهَا صُدِّقَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا بَيَانُ تَغْيِيرِ مُوجَبِ كَلَامِهِ بَلْ فِيهِ تَقْرِيرُهُ، وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ الْإِقْرَارِ بِالْغَصْبِ أَوْ الْوَدِيعَةِ لَمَّا عَيَّنَ لَهُ مَحِلًّا سِوَى ذِمَّتِهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِي الْغَصْبِ الْوَدِيعَةِ أَنَّهُ إذَا قَالَ هِيَ زُيُوفٌ صُدِّقَ، وَإِنْ كَانَ مَفْصُولًا.

وَلَوْ قَالَ: لَهُ فِي طَعَامِي هَذَا كُرُّ حِنْطَةٍ، وَلَمْ يَبْلُغْ الطَّعَامُ كُرًّا فَهُوَ كُلُّهُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِحَقِّهِ فِي مَحَلِّ عَيْنٍ، وَلَكِنَّهُ غَلِطَ فِي الْعِبَارَةِ عِنْدَ مِقْدَارِهِ، وَالزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ الْقَدْرِ لَوْ لَزِمَتْهُ إنَّمَا تَلْزَمُهُ فِي ذِمَّتِهِ، وَهُوَ مَا أَقَرَّ لَهُ بِشَيْءٍ فِي ذِمَّتِهِ، وَلَكِنَّهُ يَحْلِفُ أَنَّهُ مَا اسْتَهْلَكَ مِنْ هَذَا الطَّعَامِ شَيْئًا، وَهَذَا إذَا ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِلضَّمَانِ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى الْمَوْجُودِ إلَى تَمَامِ الْكُرِّ، وَهُوَ لِذَلِكَ مُنْكِرٌ فَيُتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ.

وَلَوْ قَالَ: لَهُ هَذِهِ الشَّاةُ أَوْ هَذِهِ النَّاقَةُ، ثُمَّ جَحَدَ ذَلِكَ وَحَلَفَ مَا لَهُ مِنْهُمَا شَيْءٌ وَادَّعَاهُمَا الطَّالِبُ فَإِنَّهُ يُقْضَى لَهُ بِالشَّاةِ؛ لِأَنَّهُ حِينَ ادَّعَاهُمَا صَارَ مُصَدِّقًا

الصفحة 60