كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 18)

مِنْ الْأَرْضِ فَكَانَ بَيَانُهُ مُطَابِقًا لِإِقْرَارِهِ، وَإِنْ قَالَ: هِيَ لَهُ بِغَيْرِ أَرْضٍ لَمْ يُصَدَّقْ؛ لِأَنَّ بَيَانَهُ غَيْرُ مُطَابِقٍ لِإِقْرَارِهِ " فَإِنَّ " حَرْفٌ فِي حَقِيقَةٍ لِلظَّرْفِ وَاسْمُ الْبُسْتَانِ لِأَصْلِ الْبُقْعَةِ وَالْأَشْجَارُ فِيهِ وَصْفٌ وَتَبَعٌ؛ لِأَنَّ قِوَامَهَا بِالْبُقْعَةِ، وَإِنَّمَا يَتَنَاوَلُ أَصْلُ إقْرَارِهِ شَيْئًا مِنْ الْبُقْعَةِ أَوْ جَعَلَ الْبُقْعَةَ لِمَا أَقَرَّ بِهِ مِنْ الْحَقِّ، فَإِذَا فَسَّرَهُ بِالنَّخْلَةِ مِنْ غَيْرِ أَرْضٍ لَمْ يَكُنْ التَّفْسِيرُ مُطَابِقًا لِلَفْظِهِ.
فَإِنْ قِيلَ الظَّرْفُ غَيْرُ الْمَظْرُوفِ فَإِنَّمَا جَعَلَ الْبُسْتَانَ مَحَلُّ حَقِّهِ، فَإِذَا فَسَّرَهُ بِالنَّخْلَةِ فَالْبُسْتَانُ مَحَلُّ حَقِّهِ قُلْنَا لَا كَذَلِكَ فَإِنَّهُ إذَا فَسَّرَهُ بِالنَّخْلَةِ فَمَحَلُّ حَقِّهِ مَوْضِعُهَا مِنْ الْأَرْضِ، وَذَلِكَ الْمَوْضِعُ لَا يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ الْبُسْتَانِ فَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ كَوْنُ الْبُسْتَانِ ظَرْفًا لِحَقِّهِ إذَا كَانَ الْمُقَرُّ بِهِ جُزْءًا مِنْهَا.

وَلَوْ قَالَ: لَهُ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ حَقٌّ، ثُمَّ قَالَ حَقُّهُ فِيهَا أَنِّي أَجَرْتُهَا إيَّاهُ سَنَةً لِيَزْرَعَهَا لَمْ يُصَدَّقْ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِالْحَقِّ فِي رَقَبَتِهَا، ثُمَّ فَسَّرَهُ بِالْمَنْفَعَةِ فَلَمْ يَكُنْ تَفْسِيرُهُ مُطَابِقًا لِلَفْظِهِ. وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ أَنَّ لَهُ فِي الدَّارِ حَقًّا، ثُمَّ قَالَ سُكْنَى شَهْرٍ فَتَفْسِيرُهُ غَيْرُ مُطَابِقٍ لِلَفْظِهِ. وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ أَنَّ لَهُ فِي هَذِهِ الدَّارِ مِيرَاثًا أَوْ شِرَاءً ثَابِتًا أَوْ بَابًا أَوْ مِلْكًا ثَابِتًا، ثُمَّ قَالَ: هُوَ هَذَا الْبَابُ الْمُغْلَقُ لَمْ يُصَدَّقْ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ رَقَبَةَ الدَّارِ ظَرْفًا لِمَا أَقَرَّ لَهُ بِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُفَسِّرَهُ بِجُزْءٍ مِنْ رَقَبَتِهَا.

وَلَوْ قَالَ: لَهُ فِي دَارِ وَالِدِي هَذِهِ وَصِيَّةٌ مِنْ وَالِدِي، ثُمَّ قَالَ لَهُ سُكْنَى هَذَا الْبَيْتِ سَنَةً لَمْ يُصَدَّقْ حَتَّى يُقِرَّ لَهُ بِشَرِكَةٍ فِي أَصْل الدَّارِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الدَّارَ ظَرْفًا لِلْمُوصَى بِهِ وَالْمَنَافِعُ أَعْرَاضٌ تَحْدُثُ شَيْئًا فَشَيْئًا فَلَا يَكُونُ تَفْسِيرُهُ مُطَابِقًا لِإِقْرَارِهِ مَا لَمْ يُقِرَّ بِشَيْءٍ مِنْ أَصْلِ الدَّارِ، وَلَوْ وَصَلَ الْمَنْطِقَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ كَانَ مَقْبُولًا؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ إقْرَارِهِ مُنْصَرِفٌ إلَى شَيْءٍ مِنْ أَصْلِ الدَّارِ عَلَى احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمُقَرُّ بِهِ مَنْفَعَتُهَا؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ مَحَلُّ الْأَعْيَانِ، فَإِذَا بَيَّنَهُ مَوْصُولًا قَبْلَ بَيَانِهِ، وَإِنْ كَانَ مُغَيِّرًا لِمُوجَبِ مُطْلَقِ كَلَامِهِ. وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: لَهُ فِيهَا مِيرَاثٌ بِسُكْنَى شَهْرٍ، وَفِي هَذَا نَوْعُ إشْكَالٍ فَإِنَّ الْمَنَافِعَ لَا تُوَرَّثُ عِنْدَنَا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْبَلَ بَيَانُهُ هَذَا مَوْصُولًا وَكَذَا يَكُونُ بَيَانُهُ مِنْ مُحْتَمَلَاتِ كَلَامِهِ فَإِنَّ تَوْرِيثَ الْمَنْفَعَةِ مُجْتَهَدٌ فِيهِ، وَلَوْ قَضَى بِهِ الْقَاضِي نَفَذَ قَضَاؤُهُ فَلَعَلَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِذَلِكَ بَعْدَ مَا قَضَى لَهُ بِهِ قَاضٍ فَكَانَ هَذَا بَيَانًا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَقِيلَ: هُوَ عَلَى الْخِلَافِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا الْجَوَابُ عِنْدَهُمَا بِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ.

وَإِذَا قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ لَمْ يُصَدَّقْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَإِنْ وَصَلَ لِأَنَّ ثَمَنَ الْخَمْرِ لَا يَجِبُ لِلْمُسْلِمِ شَرْعًا وَعِنْدَهُمَا يُصَدَّقُ، وَكَانَ ذَلِكَ بَيَانًا مِنْهُ عَلَى ظَنِّهِ. وَكَذَلِكَ هَذَا.

وَلَوْ كَانَ فِي يَدِهِ عَشَرَةٌ مِنْ الْغَنَمِ، فَقَالَ: لِفُلَانٍ فِيهَا شِرْكُ شَاةٍ، ثُمَّ مَاتَتْ الْغَنَمُ كُلُّهَا، فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ أَنْتَ خَلَطْتَ شَاتِي بِغَنَمِكَ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يَضْمَنْ الْمُقِرُّ شَيْئًا إذَا حَلَفَ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِالشَّرِكَةِ فِي الْعَيْنِ لَا يَتَضَمَّنُ الْإِقْرَارَ بِوُجُودِ السَّبَبِ

الصفحة 62