كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 18)

كَالْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فَكَانَ بَيَانُهُ هَذَا مُغَايِرًا لِمُقْتَضَى مُطْلَقِ كَلَامِهِ. وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ بِأُسْطُوَانَةٍ فِي دَارِهِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ الْمَبْنِيَّ مِنْ الْأُسْطُوَانَةِ بِالْآجُرِّ وَأَنَّهُ لَا يَكُونُ أُسْطُوَانَةً مَا لَمْ يَكُنْ مَبْنِيًّا كَالْحَائِطِ، فَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْأُسْطُوَانَةُ مِنْ خَشَبٍ فَلِلْمُقَرِّ لَهُ الْخَشَبَةُ دُونَ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ يُسَمَّى أُسْطُوَانَةً قَبْلَ الْبِنَاءِ عَلَيْهِ كَمَا يَعُدُّهُ فَلَيْسَ فِي لَفْظِ الْمُقِرِّ مَا يَدُلُّ عَلَى اسْتِحْقَاقِ مَوْضِعِهِ مِنْ الْأَرْضِ، فَإِنْ كَانَ يُسْتَطَاعُ رَفْعُهَا بِغَيْرِ ضَرَرٍ أَخَذَهَا الْمُقَرُّ لَهُ، وَإِنْ كَانَ لَا يُؤْخَذُ إلَّا بِضَرَرٍ ضَمِنَ الْمُقِرُّ قِيمَتَهَا لِلطَّالِبِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ غَصَبَ مِنْ آخَرَ سَاجَةً وَبَنَى عَلَيْهَا فَإِنَّ حَقَّ صَاحِبِ السَّاجَةِ يَنْقَطِعُ عَنْ السَّاجَةِ وَيُقَرَّرُ فِيهِ ضَمَانُ الْقِيمَةِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ صَاحِبِ الْبِنَاءِ عِنْدَنَا وَهِيَ مَسْأَلَةٌ مَعْرُوفَةٌ.

وَلَوْ أَقَرَّ لَهُ بِنَخْلَةٍ أَوْ شَجَرَةٍ فِي بُسْتَانِهِ فَهِيَ لَهُ بِأَصْلِهَا مِنْ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ الْمُقَرَّ بِهِ النَّخْلُ وَالشَّجَرُ، وَإِنَّمَا يُسَمَّى بِهَذَا الِاسْمِ إذَا كَانَ ثَابِتًا فِي الْأَرْضِ، فَأَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ ثَابِتَةً فَتُسَمَّى خَشَبَةً فَكَانَ فِي لَفْظِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى دُخُولِ مَوْضِعِهَا مِنْ الْأَرْضِ وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا فِي إقْرَارِهِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْبَيْعِ إذَا بَاعَ نَخْلَةً أَوْ شَجَرَةً فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ بَاعَهَا بِأَصْلِهَا فَلَهُ مَوْضِعُهَا مِنْ الْأَرْضِ، وَإِنْ بَاعَهَا لِيَقْطَعَهَا الْمُشْتَرِي فَلَيْسَ لَهُ مَوْضِعُهَا مِنْ الْأَرْضِ، وَإِنْ بَاعَهَا مُطْلَقًا فَلَيْسَ لَهُ مَوْضِعُهَا مِنْ الْأَرْضِ وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُ إذَا بَاعَهَا مُطْلَقًا فَلَهُ مَوْضِعُ أَصْلِهَا مِنْ الْأَرْضِ وَلَهُ الْمَوْضِعُ الَّذِي يَنْتَهِي إلَيْهِ عُرُوقُهَا مِنْ الْأَرْضِ فَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - سَوَّى بَيْنَ الْبَيْعِ وَالْإِقْرَارِ، وَقَالَ: الْإِيجَابُ مِنْ الْبَائِعِ كَانَ فِي النَّخْلَةِ وَالشَّجَرَةِ وَلَا تَكُونُ نَخْلَةً وَشَجَرَةً إلَّا وَهِيَ ثَابِتَةٌ وَأَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا فَيَقُولُ الْبَيْعُ تَمْلِيكٌ مُبْتَدَأٌ فَلَا يَتَنَاوَلُهُ إلَّا مَا وَقَعَ التَّنْصِيصُ عَلَيْهِ، وَالتَّنْصِيصُ إنَّمَا وَقَعَ عَلَى النَّابِتِ دُونَ مَوْضِعِهِ الَّذِي نَبَتَ عَلَيْهِ وَمَوْضِعُهُ الَّذِي نَبَتَ عَلَيْهِ لَيْسَ مَانِعًا لِلنَّابِتِ فَلَا يَسْتَحِقُّهُ الْمُشْتَرِي بِاسْتِحْقَاقِهِ النَّابِتَةَ وَبِالْبَيْعِ لَا يَسْتَحِقُّ الْمُشْتَرِي اسْتِدَامَتِهِ عَلَى حَالِهِ بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ فَإِنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ مِلْكٍ سَابِقٍ لِلْمُقَرِّ لَهُ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى اسْتِدَامَتِهِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بِمَوْضِعِهَا مِنْ الْأَرْضِ فَاسْتَحَقَّ مَوْضِعَهَا مِنْ الْأَرْضِ بِدَلَالَةِ كَلَامِهِ وَالْمَدْلُولُ عَلَيْهِ فِي الْإِقْرَارِ كَالْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ.

وَلَوْ أَقَرَّ بِثَمَرَةٍ فِي نَخْلٍ لَمْ تَكُنْ النَّخْلَةُ لَهُ؛ لِأَنَّ اسْمَ الثَّمَرَةِ لَا يَخْتَصُّ بِحَالِ الِاتِّصَالِ بِالنَّخْلِ بِخِلَافِ اسْمِ الْحَائِطِ وَالنَّخْلَةِ، وَلِأَنَّ اتِّصَالَ الثِّمَارِ بِالنَّخْلِ لَيْسَ بِأَصْلٍ بَلْ هُوَ لِلْإِدْرَاكِ حَتَّى تُجَدَّ بَعْدَ الْإِدْرَاكِ وَيَفْسُدُ إذَا تُرِكَ وَلِهَذَا لَا يَدْخُلُ فِي بَيْعِ النَّخْلِ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ فَكَذَلِكَ لَا يَدْخُلُ فِي الْإِقْرَارِ بِالثَّمَرَةِ، أَمَّا اتِّصَالُ الْبِنَاءِ بِالْأَرْضِ وَالنَّخْلِ بِالْأَرْضِ فَلِلْقَرَارِ وَلِهَذَا دَخَلَا فِي بَيْعِ الْأَرْضِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ فَكَذَلِكَ الْإِقْرَارُ بِهِمَا يَتَضَمَّنُ الْإِقْرَارَ بِمَوْضِعِهِمَا مِنْ الْأَرْضِ.

وَلَوْ أَقَرَّ

الصفحة 66