كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 18)

بِهِ شَيْئًا، وَلَيْسَ لِصَاحِبِ الدَّارِ أَنْ يَقْطَعَ الْجُذُوعَ لِأَنَّهَا وُجِدَتْ كَذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ حُجَّةً لِذَلِكَ إلَّا أَنْ تَكُونَ نَفْسُ الْجُذُوعِ بِحَقٍّ مُسْتَحَقٍّ لِصَاحِبِهَا فَلَا يَكُونُ لِصَاحِبِ الدَّارِ أَنْ يَقْطَعَهَا إلَّا بِحُجَّةِ وَالظَّاهِرُ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً كَذَلِكَ إلَّا أَنْ تَكُونَ جُذُوعًا لَا يَحْمِلُ عَلَى مِثْلِهَا شَيْئًا إنَّمَا هُوَ أَطْرَافُ جُذُوعٍ خَارِجَةٍ فِي دَارِهِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ لَهُ أَنْ يَقْطَعَهَا لِأَنَّ عَيْنَ الْجُذُوعِ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ بِعَيْنِهَا إنَّمَا الْمَقْصُودُ هُوَ الْبِنَاءُ عَلَيْهَا فَمَا لَا يُبْنَى عَلَى مِثْلِهِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَحَقًّا لَهُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ فَكَانَ لِصَاحِبِ الدَّارِ أَنْ يَقْطَعَهَا وَمَا يُبْنَى عَلَيْهِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَحَقًّا لَهُ بِسَبَبٍ فَلَا يَكُونُ لَهُ قَطْعُهَا مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ أَنَّهُ أَحْدَثَ نَصْبَهَا غَصْبًا.

قَالَ: وَإِذَا كَانَ السُّفْلُ لِرَجُلٍ وَالْعُلْوُ لِآخَرَ فَانْهَدَمَ لَمْ يُجْبَرْ صَاحِبُ السُّفْلِ عَلَى بِنَاءِ السُّفْلِ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ وَلَا يُجْبَرُ صَاحِبُ الْمِلْكِ عَلَى بِنَاءِ مِلْكِهِ فَلَهُ حَقُّ التَّدْبِيرِ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ كَإِنْشَاءِ بَيْعٍ أَوْ بِنَاءٍ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ صَاحِبُ السُّفْلِ هُوَ الَّذِي هَدَمَهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُتَعَدِّيًا بِالْهَدْمِ لِمَا لِصَاحِبِ الْعُلْوِ فِي بِنَاءِ السُّفْلِ مِنْ حَقِّ قَرَارِ الْعُلْوِ عَلَيْهِ فَيُجْبَرُ عَلَى بِنَائِهِ بِحَقِّهِ كَالرَّاهِنِ إذَا قَبِلَ الْمَرْهُونَ أَوْ الْمَوْلَى قَبِلَ عَبْدَهُ الْمَدْيُونَ، فَأَمَّا عِنْدَ الِانْهِدَامِ لَمْ يُوجَدْ مِنْ صَاحِبِ السُّفْلِ فِعْلٌ هُوَ عُدْوَانٌ، وَلَكِنْ لِصَاحِبِ الْعُلْوِ أَنْ يَبْنِيَ السُّفْلَ، ثُمَّ يَبْنِيَ عَلَيْهِ الْعُلْوَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَصَّلُ إلَى بِنَاءِ مِلْكِهِ إلَّا بِبِنَاءِ السُّفْلِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَتَطَرَّقَ بِبِنَاءِ السُّفْلِ لِيَتَوَصَّلَ إلَى حَقِّهِ، ثُمَّ يَمْنَعَ صَاحِبَ السُّفْلِ مِنْ أَنْ يَسْكُنَ سُفْلَهُ حَتَّى يَرُدَّ عَلَى صَاحِبِ الْعُلْوِ قِيمَةَ الْبِنَاءِ؛ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَى بِنَاءِ السُّفْلِ لِيَتَوَصَّلَ إلَى مَنْفَعَةِ مِلْكِهِ فَلَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا فِيهِ وَالْبِنَاءُ مِلْكُ الثَّانِي فَكَانَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالْبِنَاءِ حَتَّى يَتَمَلَّكَهُ عَلَيْهِ بِأَدَاءِ الْقِيمَةِ، وَذَكَرَ الْخَصَّافُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ إنَّمَا يَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِ السُّفْلِ بِمَا أَنْفَقَ فِي بِنَاءِ السُّفْلِ وَوَجَّهَهُ أَنَّهُ مَأْذُونٌ فِي هَذَا الْإِنْفَاقِ شَرْعًا فَيَكُونُ كَالْمَأْمُورِ بِهِ مِنْ صَاحِبِ السُّفْلِ؛ لِأَنَّ لِلشَّرْعِ عَلَيْهِ وِلَايَةً وَوَجْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْبِنَاءَ مِلْكُهُ فَيَتَمَلَّكُهُ عَلَيْهِ صَاحِبُ السُّفْلِ بِقِيمَتِهِ كَثَوْبِ الْغَيْرِ إذَا انْصَبَغَ بِصِبْغِ غَيْرِهِ فَأَرَادَ صَاحِبُ الثَّوْبِ أَنْ يَأْخُذَ ثَوْبَهُ يُعْطِي صَاحِبَ الثَّوْبِ مَا زَادَ الصِّبْغُ فِي الثَّوْبِ؛ لِأَنَّ الصِّبْغَ مِلْكُ صَاحِبِ الصِّبْغِ فِي ثَوْبِهِ، وَذَكَرَ فِي الْأَمَالِي عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ السُّفْلَ كَالْمَرْهُونِ فِي يَدِ صَاحِبِ الْعُلْوِ، وَمُرَادُهُ مِنْ ذَلِكَ مَنْعُ صَاحِبِ السُّفْلِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِسُفْلِهِ بِمَنْزِلَةِ الرَّهْنِ.

قَالَ: وَلَوْ كَانَ بَيْتٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَوْ دَارٌ فَانْهَدَمَتْ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُجْبِرَ صَاحِبَهُ عَلَى الْبِنَاءِ لِأَنَّ تَمْيِيزَ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا مِنْ نَصِيبِ الْآخَرِ بِقِسْمَةِ السَّاحَةِ مُمْكِنٌ، فَإِنْ بَنَاهَا أَحَدُهُمَا لَمْ يَرْجِعْ عَلَى شَرِيكِهِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُضْطَرٍّ فِي هَذَا الْبِنَاءِ فَإِنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ مُطَالَبَةِ صَاحِبِهِ بِالْقِسْمَةِ لِيَبْنِيَ فِي نَصِيبِ نَفْسِهِ

الصفحة 92