كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 19)

أَنَّ تَصْحِيحَ الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ هُنَا بِطَرِيقِ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ وَهُوَ أَنَّهُ يُجْعَلُ كَأَنَّهُ كَفَلَ بِالْمَالِ لِلْحَالِ ثُمَّ عَلَّقَ التَّرِكَةَ عَنْهُ بِالْمُوَافَاةِ بِالنَّفْسِ، وَالْمُوَافَاةُ بِالنَّفْسِ لَا تُوجَدُ بِالْمَوْتِ فَيَبْقَى الْمَالُ وَاجِبًا بِالْكَفَالَةِ وَلَا حَاجَةَ إلَى هَذَا التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ فِي الْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ وَبَعْدَ الْوُقُوعِ لَا يَحْتَمِلُ الرَّفْعَ فَلِهَذَا افْتَرَقَا، وَإِنْ مَاتَ الْكَفِيلُ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ فَإِنْ مَضَى الْأَجَلُ قَبْلَ أَنْ يُوَافِيَ وَرَثَةُ الْكَفِيلِ الطَّالِبَ بِالرَّجُلِ؛ فَالْمَالُ دَيْنٌ فِي مَالِ الْكَفِيلِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْبَرَاءَةِ الْمُوَافَاةُ بِالنَّفْسِ وَلَمْ تُوجَدْ ثُمَّ يَضْرِبُ الطَّالِبُ مَعَ سَائِرِ غُرَمَائِهِ فِي تَرِكَتِهِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الطَّالِبِ قِبَلَهُ فِي حُكْمِ دَيْنِ الصِّحَّةِ فِي الْوَجْهِ.
قُلْنَا: إنَّهُ يُجْعَلُ كَأَنَّهُ كَفَلَ بِالْمَالِ فِي الْحَالِ وَعِنْدَ الْكَفَالَةِ كَانَ صَحِيحًا فَلِهَذَا كَانَ حَقُّ الطَّالِبِ بِمَنْزِلَةِ غُرَمَاءِ الصِّحَّةِ يَضْرِبُ مَعَهُمْ فِي تَرِكَتِهِ، وَإِنْ دَفَعُوهُ إلَيْهِ فِي الْأَجَلِ أَوْ دَفَعَ الْمَكْفُولُ بِهِ نَفْسَهُ بَرِئَ الْكَفِيلُ مِنْ الْمَالِ وَالْكَفَالَةِ؛ لِأَنَّ مُوَافَاةَ الْوَارِثِ بِنَفْسِهِ كَمُوَافَاةِ الْمُوَرِّثِ فِي حَيَاتِهِ، وَكَذَلِكَ دَفْعُ الْمَكْفُولِ بِهِ نَفْسَهُ مِنْ جِهَةِ الْكَفَالَةِ بِمَنْزِلَةِ دَفْعِ الْكَفِيلِ فَقَدْ وُجِدَ شَرْطُ الْبَرَاءَةِ عَنْ الْمَالِ وَهُوَ الْمُوَافَاةُ بِالنَّفْسِ

وَإِنْ لَحِقَ الْكَفِيلُ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَوْتِهِ فِي أَنَّ تَسْلِيمَ الْوَرَثَةِ يَقُومُ مَقَامَ تَسْلِيمِهِ فِي بَرَاءَةِ الْكَفِيلِ؛ لِأَنَّهُمْ يَخْلُفُونَهُ فِي أَمْوَالِهِ بِهَذَا السَّبَبِ كَمَا يَخْلُفُونَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَإِنْ لَحِقَ الْمَكْفُولُ بِهِ بِدَارُ الْحَرْبِ فَإِنْ مَضَى الْأَجَلُ قَبْلَ أَنْ يُوَافِيَ بِهِ فَالْمَالُ لَازِمٌ لِلْكَفِيلِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْبَرَاءَةِ عَنْ الْمَالِ الْمُوَافَاةُ بِالنَّفْسِ وَلَمْ تُوجَدْ، وَأَكْثَرُ مَا فِيهِ أَنْ يَكُونَ لُحُوقُهُ كَمَوْتِهِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْمَالَ بَعْدَ مَوْتِهِ يَجِبُ عَلَى الْكَفِيلِ عِنْدَ عَدَمِ الْمُوَافَاةِ فَهَذَا مِثْلُهُ.

وَلَوْ كَانَ الْمَكْفُولُ بِهِ امْرَأَةً فَارْتَدَّتْ وَلَحِقَتْ بِالدَّارِ وَسُبِيَتْ فَوَافَى بِهَا وَهِيَ أَمَةٌ فِي الْأَجَلِ؛ بَرِئَ الْكَفِيلُ مِنْ الْكَفَالَةِ وَالْمَالِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْبَرَاءَةِ وَهُوَ الْمُوَافَاةُ فِي الْأَجَلِ قَدْ وُجِدَ وَالْمُوَافَاةُ تَتَحَقَّقُ بَعْدَ مَا صَارَتْ أَمَةً وَلِأَنَّهَا حِينَ سُبِيَتْ سَقَطَ الدَّيْنُ عَنْهَا وَبَرَاءَةُ الْأَصِيلِ تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ

وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْمَكْفُولُ بِهِ رَجُلًا فَوَافَى بِهِ وَهُوَ حَلَالُ الدَّمِ بِرِدَّةٍ أَوْ قَتْلٍ عَمْدًا؛ لِأَنَّ الْمُوَافَاةَ بَعْدَ حِلِّ دَمِهِ تَتَحَقَّقُ كَمَا تَتَحَقَّقُ قَبْلَهُ

وَلَوْ مَاتَ الطَّالِبُ فَوَافَى بِهِ الْكَفِيلُ وَصِيَّهُ بَرِئَ مِنْ الْمَالِ وَالْكَفَالَةِ؛ لِأَنَّ وَصِيَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَتَسْلِيمُ النَّفْسِ إلَيْهِ كَالتَّسْلِيمِ إلَى الْمُوصِي فَلِهَذَا يَسْتَفِيدُ بِهِ الْبَرَاءَةَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَصِيٌّ فَوَافَى بِهِ وَرَثَتَهُ فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُ مَالَهُ لَمْ يَبْرَأْ بِتَسْلِيمِهِ إلَى الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا مِنْ تَرِكَتِهِ مَعَ الدَّيْنِ الْمُسْتَغْرِقِ فَالتَّسْلِيمُ إلَيْهِمْ فِي هَذِهِ الْحَالِ بِمَنْزِلَةِ التَّسْلِيمِ إلَيْهِمْ قَبْلَ مَوْتِهِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ لَا يَحْصُلُ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِمْ فَإِنَّهُمْ لَا يَتَمَكَّنُونَ مِنْ مُطَالَبَتِهِ بِالْمَالِ فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ

الصفحة 185