كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 20)

الطَّعَامِ، ثُمَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَا يَتَنَاوَلُ يَتَقَوَّى عَلَى الْخِدْمَةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يَمْنَعُهُ مِنْ التَّنَاوُلِ بِقَدْرِ الْكِفَايَةِ لِمَا لَهُ فِيهِ مِنْ الْمَنْفَعَةِ وَالْجَهَالَةُ إذَا كَانَتْ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ لَا تُفْسِدُ الْعَقْدَ وَلَا يُوجَدُ ذَلِكَ فِي الْكِسْوَةِ إذْ لَيْسَ لِلْكِسْوَةِ تَأْثِيرٌ فِي إحْدَاثِ الْقُوَّةِ عَلَى زِيَادَةِ الْخِدْمَةِ فَإِنْ أَقَّتَا مِنْ الْكِسْوَةِ شَيْئًا مَعْرُوفًا لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ يَقِلُّ وَيَنْعَدِمُ بِعَدَمِ بَيَانِ الْوَصْفِ وَالْمُنَازَعَةُ تَنْقَطِعُ بِهِ وَلِأَنَّ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ هُنَا فِيمَا لَا يَتِمُّ مَعْنَى اللُّزُومِ فِيهِ فَإِنَّهُ بِنَاءٌ عَلَى الْمُهَايَأَةِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ حُكْمَ اللُّزُومِ لَا يَتِمُّ بِالْمُهَايَأَةِ وَفِي مِثْلِهِ الْبَيَانُ الْمَوْصُوفُ يَثْبُتُ بِالْقِسْمَةِ كَمَا فِي الصَّدَاقِ وَنَحْوِهِ

وَلَوْ كَانَتْ غَنَمٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَتَهَايَآ عَلَى أَنْ يَرْعَاهَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَهْرًا أَوْ عَلَى أَنْ يَسْتَأْجِرَ لَهَا أَجِيرًا جَازَ؛ لِأَنَّ الرَّعْيَ فِي الدَّوَابِّ بِمَنْزِلَةِ الطَّعَامِ فِي بَنِي آدَمَ أَوْ أَظْهَرَ مِنْهُ فَالتَّفَاوُتُ يَنْعَدِمُ هُنَا وَالْحُرُّ وَالْعَبْدُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَوَلِيُّ الصَّغِيرِ بِمَنْزِلَةِ الصَّغِيرِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ حَوَائِجِهِ - يَرْجِعُ إلَى إصْلَاحِ مِلْكِهِ وَهُوَ مِنْ صُنْعِ التُّجَّارِ

وَلَوْ تَهَايَآ عَلَى الْخِدْمَةِ فِي الْأَمَتَيْنِ، ثُمَّ وَطِئَ أَحَدُهُمَا الْأَمَةَ الَّتِي عِنْدَهُ فَعَلِقَتْ فَسَدَتْ الْمُهَايَأَةُ؛ لِأَنَّهُ تَمَلَّكَ نَصِيبَ شَرِيكِهِ حِينَ اسْتَوْلَدَهَا بِضَمَانِ نِصْفِ الْقِيمَةِ وَكَمَا لَا يَصِحُّ ابْتِدَاءُ الْمُهَايَأَةِ إلَّا بِعَمَلٍ مُشْتَرَكٍ فَكَذَلِكَ مَا لَا يَبْقَى وَلَا شَرِكَةَ بَيْنَهُمَا فِيهَا بَعْدَ مَا اسْتَوْلَدَهَا أَحَدُهُمَا، وَكَذَلِكَ لَوْ مَاتَتْ أَوْ أَبِقَتْ انْتَقَضَتْ الْمُهَايَأَةُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا رَضِيَ بِسَلَامَةِ خِدْمَةِ الْأُخْرَى لِشَرِيكِهِ بِشَرْطِ أَنْ يَسْلَمَ لَهُ خِدْمَةُ الَّتِي هِيَ فِي يَدِهِ وَقَدْ فَاتَ ذَلِكَ بِمَوْتِهَا أَوْ بِإِبَاقِهَا وَلَوْ اسْتَخْدَمَهَا الشَّهْرَ كُلَّهُ إلَّا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ، ثُمَّ مَرِضَتْ أَوْ أَبِقَتْ نَقَّصَتْ الْآخَرَ مِنْ شَهْرِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِاعْتِبَارِ الْمُعَادَلَةِ فِيمَا يَسْتَوْفِيهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ مَنْفَعَةِ الْمِلْكِ الْمُشْتَرَكِ، ثُمَّ يَسْتَقْبِلَانِ الْمُهَايَأَةَ وَلَوْ لَمْ يَنْقُصْ الثَّلَاثَةُ أَيَّامٍ حَتَّى تَمَّ الشَّهْرُ فِي خِدْمَتِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا فَضْلُ صَاحِبِهِ فِي اسْتِيفَاءِ بَعْضِ الْخِدْمَةِ وَالْخِدْمَةُ لَا تَتَقَوَّمُ إلَّا بِالْعَقْدِ بِالتَّسْمِيَةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَبِقَتْ إحْدَاهُمَا الشَّهْرَ كُلَّهُ وَاسْتَخْدَمَ الْآخَرُ الْأُخْرَى الشَّهْرَ كُلَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِي تِلْكَ الْخِدْمَةِ ضَمَانٌ وَلَا أَجْرٌ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَا تَتَقَوَّمُ بِالْإِتْلَافِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ اسْتَخْدَمَ الْأَمَةَ الْمُشْتَرَكَةَ أَحَدُهُمَا مِنْ غَيْرِ رِضَا الشَّرِيكِ لَا عَلَى وَجْهِ الْمُهَايَأَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ فِي ذَلِكَ ضَمَانٌ لِصَاحِبِهِ بِمَنْزِلَةِ الْغَاصِبِ وَلَوْ عَطِبَتْ إحْدَاهُمَا فِي الْخِدْمَةِ لَمْ يَضْمَنْهَا صَاحِبُهَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَمِينٌ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ مِمَّا فِي يَدِهِ وَإِنَّمَا يَسْتَخْدِمُهَا بِإِذْنِ صَاحِبِهِ فَيَكُونُ هُوَ فِي ذَلِكَ كَالْمُسْتَعِيرِ أَوْ الْمُسْتَأْجِرِ وَلَوْ زَوَّجَهَا مَنْ هِيَ فِي يَدِهِ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّزْوِيجَ تَصَرُّفٌ يَعْتَمِدُ الْوِلَايَةَ وَثُبُوتُ الْوِلَايَةِ بِمِلْكِ الرَّقَبَةِ وَمِلْكُ الرَّقَبَةِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرُ تَامٍّ فَمَا فِي يَدِهِ بَعْدَ

الصفحة 176