كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 21)

إلَى وَلَدِهَا فَحِينَ دُفِعَتْ خَلَا مَكَانُهَا، فَيَذْهَبُ مَا بَقِيَ فِيهَا، وَهُوَ نِصْفُ الدَّيْنِ، كَمَا لَوْ مَاتَتْ، وَإِنْ فَدَيَا الْأُمَّ فَالْفِدَاءُ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَحَوَّلَ نِصْفُ الدَّيْنِ إلَى الْوَلَدِ بَقِيَ الْمَشْغُولُ بِالدَّيْنِ مِنْ الْأُمِّ نِصْفُهَا، وَالنِّصْفُ أَمَانَةٌ، فَكَانَ الْفِدَاءُ عَلَيْهِمَا لِهَذَا فَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ فَالْفِدَاءُ الَّذِي أَعْطَى الْمَوْلَى قَضَاءٌ مِنْ الدَّيْنِ، وَالْأُمُّ رَهْنٌ بِمَا بَقِيَ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ حِينَ مَاتَ قَبْلَ الْفِكَاكِ صَارَ كَأَنَّ لَمْ يَكُنْ، فَتَبَيَّنَ أَنَّ جَمِيعَ الرَّهْنِ كَانَ مَضْمُونًا بِالدَّيْنِ وَأَنَّ الْفِدَاءَ كُلَّهُ كَانَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ، وَالرَّاهِنُ لَمْ يَكُنْ مُتَطَوِّعًا فِيمَا أَدَّى فَاسْتَوْجَبَ الرُّجُوعُ بِهِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ، وَبَيْعُ الْمُقَاصَّةِ مُقَدَّرَةٌ بِقَدْرِهِ، فَيَصِيرُ الرَّاهِنُ قَاضِيًا نِصْفَ الدَّيْنِ، وَتَبْقَى الْحَادِثَةُ رَهْنًا بِمَا بَقِيَ مِنْ الدَّيْنِ.

وَلَوْ كَانَ الرَّهْنُ عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفًا بِأَلْفٍ فَقَتَلَهُ عَبْدٌ يُسَاوِي مِائَةً فَدَفَعَ بِهِ فَهُوَ: رَهْنٌ يَفْتَكُّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ (رَحِمَهُمَا اللَّهُ) إنْ شَاءَ الرَّاهِنُ أَخَذَهُ، وَأَدَّى الدَّيْنَ كُلَّهُ، وَإِنْ شَاءَ سَلَّمَهُ لِلْمُرْتَهِنِ بِدَيْنِهِ.
وَأَمَّا زُفَرُ (- رَحِمَهُ اللَّهُ -): فَمَرَّ عَلَى أَصْلِهِ فَإِنَّ عِنْدَهُ لَوْ كَانَ الْعَبْدُ الْأَوَّلُ بِحَالِهِ، وَتَرَاجَعَتْ قِيمَتُهُ إلَى مِائَةٍ لِنُقْصَانِ السِّعْرِ، فَإِنَّهُ يَفْتَكُّهُ بِمِائَةٍ، وَيَسْقُطُ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الدَّيْنِ، فَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْمَدْفُوعِ مَكَانَهُ مِائَةٌ وَعِنْدَنَا بِنُقْصَانِ سِعْرِ الرَّهْنِ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ، وَلَا يَتَخَيَّرُ الرَّاهِنُ فَكَذَلِكَ هُنَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ (رَحِمَهُمَا اللَّهُ)؛ لِأَنَّ الْمَدْفُوعَ قَائِمٌ مَقَامَ الْمَقْتُولِ، فَيَفْتَكُّهُ الرَّاهِنُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ (- رَحِمَهُ اللَّهُ -) يَتَحَوَّلُ جَمِيعُ الدَّيْنِ مِنْ الْمَقْتُولِ إلَى الْمَدْفُوعِ إلَّا أَنَّ لِلرَّاهِنِ الْخِيَارَ لِتَغَيُّرِ الْعَيْنِ فِي ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ بِمَالٍ مِنْهُ أَوْصَى بِهِ وَافْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ، وَإِنْ شَاءَ سَلَّمَهُ لِلْمُرْتَهِنِ بِدَيْنِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا انْتَقَصَ سِعْرُ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ لَمْ تَتَغَيَّرْ هُنَاكَ، وَهُوَ نَظِيرُ الْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ إذَا انْتَقَصَ سِعْرُهُ لَا يَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي، وَإِذَا قَتَلَهُ عَبْدٌ وَدَفَعَ بِهِ يُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا تَرَاجَعَ سِعْرُ الْأَوَّلِ إلَى مِائَةٍ ثُمَّ قَتَلَهُ حُرٌّ، فَغَرِمَ قِيمَتَهُ مِائَةً فَإِنَّهُ يَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ تِسْعُمِائَةٍ وَيَأْخُذُ الْمُرْتَهِنُ الْمِائَةَ قَضَاءً مِنْ مِثْلِهَا وَزُفَرُ (- رَحِمَهُ اللَّهُ -) يَسْتَدِلُّ بِهَذَا الْفَصْلِ وَلَكِنَّا نَقُولُ: الدَّرَاهِمُ لَا تُفَكُّ، وَالْمِائَةُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِمُقَابَلَتِهَا أَكْثَرُ مِنْ مِائَةٍ، فَإِنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ اسْتِيفَاءُ جَمِيعِ الدَّيْنِ مِنْهَا بِحَالٍ بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمَدْفُوعِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِمُقَابَلَتِهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ شِرَاءً، فَكَذَلِكَ جِنْسًا بِالدَّيْنِ، وَيُتَوَهَّمُ اسْتِيفَاءُ جَمِيعِ الدَّيْنِ مِنْ مَالِيَّتِهِ بِأَنْ تُزَادَ قِيمَتُهُ حَتَّى يَشْتَرِيَ بِأَلْفٍ حَتَّى إنَّ الْحُرَّ الْقَاتِلَ لَوْ عَزَّزَ الدَّنَانِيرَ حَتَّى تَبْلُغَ قِيمَةُ هَذِهِ الدَّنَانِيرِ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَإِنْ كَانَ الْمَدْفُوعُ صَحِيحًا، فَذَهَبَتْ عَيْنُهُ ذَهَبَ نِصْفُ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَدْفُوعَ قَائِمٌ مَقَامَ الْمَقْتُولِ، فَفَوَاتُ نِصْفِهِ بِذَهَابِ عَيْنِهِ، كَفَوَاتِ نِصْفِ الْمَقْتُولِ بِذَهَابِ عَيْنِهِ.

وَلَوْ كَانَتْ أَمَةً فَفَاتَ عِتْقُ الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ فَدُفِعَتْ بِهِ فَهُمَا جَمِيعًا رَهْنٌ

الصفحة 186