كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 22)

لِإِنْسَانٍ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ لَازِمٌ مِنْ جِهَةِ الرَّاهِنَيْنِ فَهُمَا بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ يُرِيدَانِ السَّعْيَ فِي نَقْضِ مَا قَدْ تَمَّ بِهِمَا، وَإِبْطَالِ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ الْمُسْتَحَقَّةِ لِلْمُرْتَهِنِ عَلَيْهِمَا، وَلَوْ شَهِدَ بِهِ الْمُرْتَهِنَانِ جَازَ؛ لِأَنَّهُمَا مُمَكَّنَانِ مِنْ رَدِّ الرَّهْنِ مَتَى شَاءَا، فَلَيْسَ فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ إبْطَالُ حَقٍّ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِمَا بَلْ فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ ضَرَرٌ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ حَقَّ اسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ مِنْ مَالِيَّةِ الرَّهْنِ كَانَ ثَابِتًا لَهُمَا وَيَبْطُلُ ذَلِكَ بِشَهَادَتِهِمَا فَتُقْبَلُ الشَّهَادَةُ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ وَلَوْ شَهِدَ بِهِ كَفِيلَانِ بِالْمَالِ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا بِمَنْزِلَةِ الرَّاهِنَيْنِ، وَلَوْ شَهِدَ بِهِ ابْنَا الرَّاهِنِ، أَوْ ابْنَا الْكَفِيلِ، وَالْأَبُ مُنْكِرٌ جَازَتْ الشَّهَادَةُ؛ لِأَنَّهُمَا يَشْهَدَانِ عَلَى أَبِيهِمَا، وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدَ بِهِ ابْنَا الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهُمَا شَهِدَا عَلَى أَبِيهِمَا بِبُطْلَانِ حَقِّهِ فِي ثُبُوتِ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ.

وَلَوْ كَانَ الرَّاهِنُ مُكَاتَبًا أَوْ عَبْدًا تَاجِرًا، فَشَهِدَ مَوْلَيَاهُ بِذَلِكَ وَهُوَ مُنْكِرٌ جَازَتْ الشَّهَادَةُ؛ لِأَنَّهُمَا يَشْهَدَانِ عَلَى مُكَاتَبِهِمَا أَوْ عَبْدِهِمَا فِي اسْتِحْقَاقِ الْمِلْكِ وَالْكَسْبِ عَلَيْهِ، وَبِبُطْلَانِ الْعَقْدِ الَّذِي بَاشَرَهُ.

وَإِذَا ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى الرَّهْنِ أَنَّهُ لَهُ وَأَنَّ رَاهِنَهُ سَرَقَهُ مِنْهُ وَسَأَلَ الْمُرْتَهِنَ أَنْ يُخْرِجَهُ حَتَّى يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ فَأَبَى ذَلِكَ الْمُرْتَهِنُ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى إخْرَاجِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِي إخْرَاجِهِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِلْمُدَّعِي؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إثْبَاتِ دَعْوَاهُ بِالْبَيِّنَةِ إلَّا بَعْدَ إحْضَارِ الْعَيْنِ لِيُشِيرَ إلَيْهِ فِي الدَّعْوَى، وَيُشِيرَ إلَيْهِ الشُّهُودُ فِي الشَّهَادَةِ، وَالْمُرْتَهِنُ فِي الِامْتِنَاعِ مِنْ الْإِحْضَارِ مُتَعَنِّتٌ قَاصِدٌ الْإِضْرَارَ بِهِ فَيَمْنَعُهُ الْقَاضِي مِنْ ذَلِكَ.

وَإِذَا ارْتَهَنَ الرَّجُلُ رَهْنًا وَأَقَرَّ أَنَّ قِيمَتَهُ أَلْفٌ ثُمَّ جَاءَ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَقِيمَتُهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ فَقَالَ الرَّاهِنُ: لَيْسَ هَذَا مَتَاعِي، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمَا تَصَادَقَا عَلَى صِفَةِ مَتَاعِهِ أَنَّهُ يُسَاوِي أَلْفًا، وَاَلَّذِي أَحْضَرَهُ لَيْسَ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ فَالظَّاهِرُ شَاهِدٌ لِلرَّاهِنِ فَيُجْعَلُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي ذَلِكَ، وَإِذَا قَبِلْنَا قَوْلَهُ كَانَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ أَنْ يَجِيءَ بِمَتَاعٍ يُسَاوِي أَلْفًا أَوْ يَحْكُمَ بِأَنَّ الرَّهْنَ هَلَكَ فِي يَدِهِ فَيَسْقُطَ دَيْنُهُ.

وَإِذَا بَاعَ رَجُلَانِ شَيْئًا مِنْ رَجُلٍ إلَى رَجُلٍ عَلَى أَنْ يَرْهَنَهُمَا هَذَا الْعَبْدَ فَفَعَلَ ثُمَّ شَهِدَا أَنَّ الرَّهْنَ لِفُلَانٍ فَإِنْ قَالَا فَنَحْنُ نَرْضَى أَنْ يَكُونَ دَيْنًا إلَى أَجَلٍ بِغَيْرِ رَهْنٍ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا لِخُلُوِّهَا عَنْ التُّهْمَةِ فَإِنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ لَهُمَا فِي قَبُولِ هَذِهِ الشَّهَادَةِ حِينَ أَسْقَطَا حَقَّهُمَا فِي الْمُطَالَبَةِ بِرَهْنٍ آخَرَ بَلْ عَلَيْهِمَا فِيهِ ضَرَرٌ، وَإِنْ قَالَا لَا نَزِيدُ رَهْنًا غَيْرَهُ أَوْ يُرَدُّ عَلَيْنَا مَتَاعُنَا أُبْطِلَتْ شَهَادَتُهُمَا لِتَمَكُّنِ التُّهْمَةِ فِيهَا، فَإِنَّهُمَا يَشْهَدَانِ لِأَنْفُسِهِمَا بِثُبُوتِ حَقِّ مُطَالَبَةِ الرَّاهِنِ بِرَهْنٍ آخَرَ، أَوْ رَدِّ الْمَتَاعِ عَلَيْهِمَا.

وَإِذَا بَاعَ مَتَاعًا مِنْ رَجُلٍ عَلَى أَنْ يَرْهَنَهُ رَهْنًا بِعَيْنِهِ فَاسْتَحَقَّ أَوْ هَلَكَ قَبْلَ الرَّهْنِ أَوْ رَهَنَهُ رَهْنًا يَرْضَى بِهِ أَوْ أَعْطَاهُ قِيمَةَ ذَلِكَ الرَّهْنِ فَيَكُونُ رَهْنًا عِنْدَهُ، أَوْ رَدَّ عَلَيْهِ مَالَهُ وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا

الصفحة 13