كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 22)

وَيَأْخُذُ الْمُضَارِبُ الْآخَرُ مِنْ الْمُضَارِبِ الثَّانِي ثُلُثَ الثُّلُثَيْنِ، ثُمَّ يَدْفَعُ إلَى رَبِّ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ وَيُقَاسِمُهُ الرِّبْحَ أَرْبَاعًا: ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ لِرَبِّ الْمَالِ، وَرُبْعُهُ لَهُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ أَوْجَبَ الثُّلُثَ لِلْمُضَارِبِ الْمُتَصَرِّفِ، وَذَلِكَ مِنْ نَصِيبِهِ خَاصَّةً فَإِنَّمَا بَقِيَ مِنْ حَقِّهِ ثُلُثُ النِّصْفِ: وَهُوَ سَهْمٌ مِنْ سِتَّةٍ، وَحَقُّ رَبِّ الْمَالِ فِي ثُلُثِهِ، فَيُجْعَلُ الرِّبْحُ مَقْسُومًا بَيْنَهُمَا أَرْبَاعًا.
وَلَوْ كَانَ الْمُضَارِبُ الْأَوَّلُ لَمْ يَرْبَحْ شَيْئًا حَتَّى دَفَعَ الْمَالَ مُضَارَبَةً بِالثُّلُثِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهَا بِرَأْيِهِ فَعَمِلَ فَرَبِحَ أَلْفًا، ثُمَّ دَفَعَ إلَيْهِ الْمُضَارِبُ الثَّانِي الْأَلْفَ الَّتِي فِي يَدِهِ مُضَارَبَةً بِالثُّلُثِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ بِرَأْيِهِ فَعَمِلَ فَخَلَطَهَا بِأَلْفَيْنِ، ثُمَّ عَمِلَ وَرَبِحَ أَلْفًا ثُمَّ دَفَعَ إلَيْهِ الْمُضَارِبُ الثَّانِي الْأَلْفَ الَّتِي فِي يَدِهِ مُضَارَبَةً بِالثُّلُثِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ بِرَأْيِهِ فَخَلَطَهَا بِأَلْفَيْنِ ثُمَّ عَمِلَ فَرَبِحَ أَلْفًا فَإِنَّ الرِّبْحَ عَلَى ثَلَاثَةٍ، وَالْوَضِيعَةَ عَلَى ثَلَاثَةٍ بِحَسَبِ الْمَالِ، فَنَصِيبُ الْأَلْفِ ثُلُثُ الرِّبْحِ، وَيَأْخُذُ الْمُضَارِبُ الْآخَرُ حِصَّتَهُ مِنْ ذَلِكَ الثُّلُثِ، ثُمَّ يَأْخُذُ رَبُّ الْمَالِ مِنْهُ رَأْسَ مَالِهِ أَلْفًا، وَاقْتَسَمَا مَا بَقِيَ بَيْنَهُمَا لِرَبِّ الْمَالِ: ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهِ وَلِلْمُضَارِبِ رُبْعُهُ؛ لِأَنَّهُ أَوْجَبَ ثُلُثَ الرِّبْحِ لِلْمُضَارِبِ الْآخَرِ، وَذَلِكَ مِنْ نَصِيبِهِ خَاصَّةً وَمَا أَصَابَ الْأَلْفَيْنِ مِنْ الرِّبْحِ وَهُوَ الثُّلُثَانِ مِنْ ذَلِكَ أَخَذَ الْمُضَارِبُ الْآخَرُ مِنْهُ، وَمِنْ الْأَلْفِ الَّتِي هِيَ رِبْحٌ وَالْأَلْفُ الْأَوَّلُ ثُلُثُهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حِصَّةٌ مِنْ الرِّبْحِ، وَرَدَّ مَا بَقِيَ عَلَى الْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ، وَيَأْخُذُ مِنْهُ رَبُّ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ وَثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ مَا يَبْقَى بَعْدَهُ مِنْ الرِّبْحِ، وَلِلْمُضَارِبِ رُبْعُهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَوْجَبَ ثُلُثَ الرِّبْحِ لِلْمُضَارِبِ الْآخَرِ، وَذَلِكَ مِنْ نَصِيبِهِ خَاصَّةً وَإِنَّمَا يَقْسِمُ الْبَاقِيَ عَلَى مِقْدَارِ مَا بَقِيَ مِنْ حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا.

وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَقَالَ: نِصْفُهَا قَرْضٌ عَلَيْك وَنِصْفُهَا مَعَك مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ فَأَخَذَهَا الْمُضَارِبُ فَهُوَ جَائِزٌ عَلَى مَا سُمِّيَ؛ أَمَّا فِي حِصَّةِ الْمُضَارَبَةِ فَغَيْرُ مُشْكِلٍ؛ لِأَنَّ الشُّيُوعَ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْمُضَارَبَةِ، فَإِنَّ شَرْطَهَا كَوْنُ رَأْسِ الْمَالِ أَمَانَةً فِي يَدِ الْمُضَارِبِ، وَذَلِكَ فِي الْجُزْءِ الشَّائِعِ يَتَحَقَّقُ، وَأَمَّا الْقَرْضُ فَلِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ بِعِوَضٍ، وَالشُّيُوعُ لَا يَمْنَعُ صِحَّتَهُ كَالْبَيْعِ بِخِلَافِ الْهِبَةِ، فَإِنَّ الْهِبَةَ تَبَرُّعٌ مَحْضٌ، وَالتَّبَرُّعُ يَنْفِي وُجُوبَ الضَّمَانِ عَلَى الْمُتَبَرِّعِ، وَبِسَبَبِ الشُّيُوعِ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ يَجِبُ ضَمَانُ الْمُقَاسَمَةِ عَلَى الْمُتَبَرِّعِ، فَأَمَّا الْقَبْضُ بِجِهَةِ الْقَرْضِ فَلَا يَنْفِي وُجُوبَ الضَّمَانِ إلَّا أَنَّهُ يَدْخُلُ عَلَى هَذِهِ الْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي مُشَاعٍ يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ، وَقَبْلَ الشُّيُوعِ إنَّمَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْهِبَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتِمُّ الْقَبْضُ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ مَعَ الشُّيُوعِ، وَهَذَا لَا يَتَحَقَّقُ هُنَا، فَالْمَالُ كُلُّهُ فِي يَدِ الْمُسْتَقْرِضِ فَيَتِمُّ قَبْضُهُ فِي الْمُسْتَقْرِضِ، وَهَذَا لَيْسَ يَقْوَى فَإِنَّ هِبَةَ الْمُشَاعِ مِنْ الشَّرِيكِ لَا تَجُوزُ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ، وَكَوْنُ النِّصْفِ فِي يَدِهِ بِطَرِيقِ الْمُضَارَبَةِ

الصفحة 136