كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 22)

مِنْ الْمُضَارِبِ، وَيَدْفَعُ إلَيْهِ الثَّمَنَ فَيَكُونُ عَلَى الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فِيهِ أَنَّ الْمُضَارِبَ اشْتَرَاهَا لِرَبِّ الْمَالِ وَمَنْ اُشْتُرِيَ أَوْ اشْتَرَى لَهُ فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ وَإِنَّمَا تَسْقُطُ شُفْعَةُ مَنْ بَاعَ، أَوْ بِيعَ لَهُ، ثُمَّ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ بِمَنْزِلَةِ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الدَّارَ عَلَيْهِ بِمَا يُعْطِيهِ مِنْ الثَّمَنِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ رَبَّ الْمَالِ لَوْ اشْتَرَى مِنْ الْمُضَارِبِ دَارًا اشْتَرَاهَا لِلْمُضَارَبَةِ جَازَ شِرَاؤُهُ؛ لِكَوْنِهِ مُفِيدًا فَكَذَلِكَ إذَا أَخَذَهَا بِالشُّفْعَةِ.

وَلَوْ اشْتَرَى الْمُضَارِبُ دَارًا بِبَعْضِ الْمُضَارَبَةِ، ثُمَّ اشْتَرَى رَبُّ الْمَالِ دَارًا لِنَفْسِهِ إلَى جَنْبِهَا فَلِلْمُضَارِبِ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ بِمَا بَقِيَ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فِيهِ أَنَّ الْمُضَارِبَ يَأْخُذُهَا لِرَبِّ الْمَالِ، وَرَبُّ الْمَالِ مُشْتَرٍ، وَالشِّرَاءُ لَا يَكُونُ مُبْطِلًا شُفْعَةَ الشَّفِيعِ، ثُمَّ أَخْذُهُ بِالشُّفْعَةِ كَالشِّرَاءِ الْمُبْتَدَأِ، وَشِرَاءُ الْمُضَارِبِ بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ دَارًا مِنْ رَبِّ الْمَالِ يَكُونُ صَحِيحًا؛ لِكَوْنِهِ مُفِيدًا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ فِي الْمُضَارَبَةِ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا، وَيَخْرُجُ مِنْ الْمُضَارَبَةِ مَا كَانَ فِيهَا.

وَلَوْ اشْتَرَى بِأَلْفٍ مُضَارَبَةً دَارًا تُسَاوِي أَلْفًا، وَرَبُّ الْمَالِ شَفِيعًا فَتَسَلَّمَ الشُّفْعَةَ، ثُمَّ بَاعَ الْمُضَارِبُ الدَّارَ فَلَا شُفْعَةَ لِرَبِّ الْمَالِ فِيهَا؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ نَائِبٌ عَنْ رَبِّ الْمَالِ فِي بَيْعِهَا، وَمَنْ بِيعَ لَهُ لَا يَسْتَوْجِبُ الشُّفْعَةَ، كَمَا لَا يَسْتَوْجِبُهَا مَنْ بَاعَ، وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ رَبُّ الْمَالِ دَارِهِ لَمْ يَكُنْ لِلْمُضَارِبِ فِيهَا شُفْعَةٌ بِدَارِ الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَهَا؛ أَخَذَهَا لِلْمُضَارَبَةِ، وَمَالُ الْمُضَارَبَةِ لِرَبِّ الْمَالِ، وَرَبُّ الْمَالِ بَائِعٌ لِهَذِهِ الدَّارِ فَكَمَا لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ بِدَارٍ أُخْرَى لَهُ، لَا يَكُونُ لِمُضَارِبِهِ أَنْ يَأْخُذَهَا بِدَارِ الْمُضَارَبَةِ.

وَلَوْ اشْتَرَى الْمُضَارِبُ بِأَلْفِ الْمُضَارَبَةِ دَارًا تُسَاوِي أَلْفَيْنِ، وَرَبُّ الْمَالِ شَفِيعًا فَسَلَّمَ الشُّفْعَةَ، ثُمَّ بَاعَهَا الْمُضَارِبُ بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ لَمْ يَكُنْ لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا مِنْهَا بِالشُّفْعَةِ، أَمَّا مِقْدَارُ رَأْسِ الْمَالِ وَحِصَّتُهُ مِنْ الرِّبْحِ؛ فَلِأَنَّ الْبَيْعَ فِيهِ وَقَعَ مِنْ الْمُضَارِبِ لِرَبِّ الْمَالِ وَأَمَّا حِصَّةُ نَصِيبِهِ مِنْ الرِّبْحِ؛ فَلِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَهَا رَبُّ الْمَالِ تَفَرَّقَتْ الصَّفْقَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَلَيْسَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يُفَرِّقَ الصَّفْقَةَ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَلِأَنَّ حَقَّ الْمُضَارِبِ فِي الرِّبْحِ تَبَعٌ، وَإِذَا لَمْ تَجِبْ الشُّفْعَةُ فِيمَا هُوَ الْأَصْلُ لَا تَجِبُ فِي التَّبَعِ، وَلِهَذَا لَا يُسْتَحَقُّ الْبِنَاءُ بِدُونِ الْأَصْلِ فِي الشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ الْبِنَاءَ يَمْنَعُ الْأَصْلَ.
وَلَوْ لَمْ يَبِعْهَا الْمُضَارِبُ، وَلَكِنْ بَاعَ رَبُّ الْمَالِ دَارِهِ فَأَرَادَ الْمُضَارِبُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ لِنَفْسِهِ مِنْ الرِّبْحِ الَّذِي لَهُ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ مَا بَاعَ دَارِهِ لِلْمُضَارِبِ، وَالْمُضَارِبُ حَازَ الدَّارَ الْمَبِيعَةَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ، فَإِنَّهُ تَمَلَّكَ حِصَّتَهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ حَقِيقَةً؛ وَلِهَذَا تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ فِيهِ فَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ لِنَفْسِهِ بِذَلِكَ السَّبَبِ.

وَلَوْ اشْتَرَى الْمُضَارِبُ بِبَعْضِ الْمَالِ دَارًا فِي قِيمَتِهَا فَضْلٌ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ فَبَاعَ رَجُلٌ إلَى جَنْبِهَا دَارًا، وَفِي يَدِ

الصفحة 146