كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 22)

فِيهَا الطَّعَامَ مِنْ مِصْرٍ إلَى مِصْرٍ أَوْ دَوَابَّ؛ لِأَنَّ هَذَا كُلَّهُ مِنْ صُنْعِ التُّجَّارِ فِي الطَّعَامِ وَلَا يَجِدُ مِنْهُ بُدًّا فَلَمَّا أَمَرَهُ صَاحِبُ الْمَالِ بِذَلِكَ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهُ لَا يَجِدُ بُدًّا مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ صَارَ إذْنًا لَهُ بِجَمِيعِ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ كُلُّ صِنْفٍ سَمَّاهُ فَهُوَ عَلَيْهِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ تَقْيِيدٌ مُفِيدٌ فَإِنْ اشْتَرَى غَيْرَهُ فَهُوَ ضَامِنٌ لِلْخِلَافِ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ خُذْهُ مُضَارَبَةً فِي الرَّقِيقِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ غَيْرَ الرَّقِيقِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ حَرْفَ فِي لِلظَّرْفِ وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إلَّا مِنْ حَيْثُ الْعَمَلِ فِي الرَّقِيقِ وَلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِبَعْضِهِ كِسْوَةً لِلرَّقِيقِ وَطَعَامًا لَهُمْ وَمَا لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْهُ، وَيَسْتَأْجِرَ مَا يَحْمِلُهُمْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ التَّاجِرَ فِي الرَّقِيقِ يَحْتَاجُ إلَى هَذَا كُلِّهِ عَادَةً فَيَكُونُ هَذَا مِنْ تَوَابِعِ التِّجَارَةِ فِي الرَّقِيقِ، وَبِمُبَاشَرَةِ الْبَيْعِ لَا يَصِيرُ مُخَالِفًا.

وَلَوْ قَالَ: خُذْهُ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ وَاشْتَرِ بِهِ الْبُرَّ وَبِعْ فَلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ مَا بَدَا لَهُ مِنْ الْبُرِّ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَاشْتَرِ بِهِ الْبُرَّ مَشُورَةٌ وَلَيْسَ بِشَرْطٍ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: وَاشْتَرِ بِهِ مِنْ فُلَانٍ أَوْ قَالَ وَانْظُرْ فُلَانًا وَعَامِلْهُ فِيهِ وَاشْتَرِيهِ الْبُرَّ وَبِعْ؛ لِأَنَّ هَذَا مَشُورَةٌ لَا شَرْطٌ فَيَبْقَى الْأَمْرُ الْأَوَّلُ بَعْدَهُ عَلَى إطْلَاقِهِ

وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ مُضَارَبَةً عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ فُلَانٍ وَيَبِيعَ مِنْهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ غَيْرِهِ وَلَا أَنْ يَبِيعَ مِنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا تَقْيِيدٌ بِشَرْطٍ مُفِيدٍ وَالنَّاسُ يَتَفَاوَتُونَ فِي الْمُعَامَلَةِ فِي الِاسْتِقْضَاءِ وَالْمُسَاهَلَةِ وَيَتَفَاوَتُونَ فِي مَلَاءَةِ الذِّمَّةِ وَقَضَاءِ الدُّيُونِ وَلَوْ دَفَعَهُ إلَيْهِ مُضَارَبَةً عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَيَبِيعَ فَاشْتَرَى وَبَاعَ بِالْكُوفَةِ مِنْ رَجُلٍ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ هُنَا تَقْيِيدُ الْعَمَلِ بِالْكُوفَةِ لَا تَعْيِينُ مَنْ يُعَامِلُهُ وَتَقْيِيدُ ذَلِكَ بِأَهْلِ الْكُوفَةِ؛ لِأَنَّ طَرِيقَ جَمِيعِ أَهْلِ الْكُوفَةِ فِي الْمُعَامَلَةِ وَقَضَاءِ الدُّيُونِ لَا يَتَّفِقُ فَعَرَفْنَا أَنَّ مُرَادَهُ تَقْيِيدُ التَّصَرُّفِ بِالْكُوفَةِ وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ سَوَاءٌ تَصَرَّفَ بِالْكُوفَةِ مَعَ أَهْلِ الْكُوفَةِ أَوْ مَعَ الْغُرَبَاءِ بِهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ دَفَعَهُ إلَيْهِ مُضَارَبَةً فِي الصَّرْفِ عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ الصَّيَارِفَةِ وَيَبِيعَ كَانَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ غَيْرِ الصَّيَارِفَةِ وَمَا بَدَا لَهُ مِنْ الصَّرْفِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُعَيِّنْ شَخْصًا لِمُعَامَلَتِهِ عَرَفْنَا أَنَّهُ لَيْسَ مُرَادَهُ إلَّا التَّقْيِيدُ بِالْمَكَانِ

وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ مَالًا مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ فَاشْتَرَى بِهِ حِنْطَةً فَقَالَ رَبُّ الْمَالِ دَفَعْتُهُ إلَيْكَ مُضَارَبَةً فِي الْبُرِّ، وَقَالَ: الْمُضَارِبُ دَفَعْتُهُ إلَيَّ مُضَارَبَةً وَلَمْ تَقُلْ شَيْئًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُضَارِبِ مَعَ يَمِينِهِ عِنْدَنَا وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: " الْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْمَالِ "، وَلَوْ قَالَ الْمُضَارِبُ أَمَرْتنِي بِالْبُرِّ وَقَدْ خَالَفْتَ فَالرِّبْحُ لِي وَقَالَ: رَبُّ الْمَالِ لَمْ أُسَمِّ شَيْئًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْمَالِ وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ بِالْإِنْفَاقِ فَزَفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: " الْإِذْنُ يُسْتَفَادُ مِنْ جِهَةِ رَبِّ الْمَالِ وَلَوْ أَنْكَرَ الْإِذْنَ أَصْلًا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فَكَذَلِكَ " إذَا أَقَرَّ بِهِ بِصِفَةٍ دُونَ صِفَةٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي

الصفحة 42