كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 22)

فَالشَّيْءُ يُشْتَرَى بِالنَّسِيئَةِ بِأَكْثَرَ مِمَّا يُشْتَرَى بِهِ بِالنَّقْدِ

وَإِذَا دَفَعَهُ إلَيْهِ مُضَارَبَةً عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ الطَّعَامَ خَاصَّةً فَلَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ لِنَفْسِهِ دَابَّةً وَإِذَا خَرَجَ لِلطَّعَامِ خَاصَّةً كَمَا يَسْتَأْجِرُ لِلطَّعَامِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِدُ بُدًّا مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ تَوَابِعِ تِجَارَتِهِ فِي الطَّعَامِ، وَلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ دَابَّةً يَرْكَبُهَا إذَا سَافَرَ كَمَا يَشْتَرِي التُّجَّارُ؛ لِأَنَّ رُكُوبَهُ إذَا سَافَرَ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ كَنَفَقَتِهِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَرُبَّمَا يَكُونُ شِرَاءُ الدَّابَّةِ أَوْفَقَ مِنْ اسْتِئْجَارِهِ وَذَلِكَ مِنْ صُنْعِ التُّجَّارِ عَادَةً وَلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ أَيْضًا حَمُولَةً يُحْمَلُ عَلَيْهَا الطَّعَامُ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ صُنْعِ التُّجَّارِ عَادَةً إذَا لَمْ يُوجَدْ الْكِرَاءُ أَوْ يَكُونُ الشِّرَاءُ أَوْفَقَ فِي ذَلِكَ مِنْ الْكِرَاءِ، فَإِنْ اشْتَرَى سَفِينَةً يَحْمِلُ عَلَيْهَا الطَّعَامَ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ صُنْعِ التُّجَّارِ عَادَةً وَلَا يُعَدُّ شِرَاءُ السَّفِينَةِ مِنْ تَوَابِعِ التِّجَارَةِ فِي الطَّعَامِ فَإِنْ كَانَ فِي بَلَدٍ يَشْتَرِي لِلطَّعَامِ الْحَمُولَةِ فَيَحْمِلُ عَلَيْهَا فَاشْتَرَى شَيْئًا مِنْ الْحَمُولَةِ فَهُوَ جَائِزٌ اسْتِحْسَانًا فِي الْقِيَاسِ شِرَاءُ الْحَمُولَةِ لَيْسَ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي الطَّعَامِ وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ مَا يَصْنَعُهُ التُّجَّارُ عَادَةً إذَا خَرَجُوا فِي حَمُولَةِ الطَّعَامِ فَذَلِكَ يَمْلِكُهُ الْمُضَارِبُ بِتَفْوِيضِ التَّصَرُّفِ إلَيْهِ فِي هَذَا الْمَالِ فِي الطَّعَامِ وَمَا لَيْسَ مِنْ صُنْعِ التُّجَّارِ عَادَةً كَشِرَاءِ السَّفِينَةِ يُؤْخَذُ بِأَصْلِ الْقِيَاسِ فِيهِ وَيَكُونُ مُشْتَرِيًا ذَلِكَ لِنَفْسِهِ فَإِنْ نَقَدَ ثَمَنَهَا مِنْ الْمُضَارَبَةِ فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا نَقَدَ؛ لِأَنَّهُ قَضَى بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ دَيْنَ نَفْسِهِ وَلَوْ كَانَ رَبُّ الْمَالِ دَفَعَ الْمَالَ إلَيْهِ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ وَلَمْ يُسَمِّ فَاشْتَرَى بِهَا طَعَامًا وَسَفِينَةً يَحْمِلُ عَلَيْهَا الطَّعَامَ أَوْ اشْتَرَى دَوَابَّ جَازَ ذَلِكَ عَلَى الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ التِّجَارَةَ فِي الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ هُنَا مُطْلَقًا وَجَمِيعُ مَا اشْتَرَى مِنْ عُقُودِ التِّجَارَةِ.

وَإِذَا اخْتَلَفَا بَعْدَ مَا اشْتَرَى بِهَا فِي غَيْرِ الْمِصْرِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا كَانَتْ الْمُضَارَبَةُ عَلَى أَنْ يَكُونَ الشِّرَاءُ وَالْبَيْعُ فِي الْمِصْرِ خَاصَّةً وَقَالَ الْآخَرُ لَمْ يُسَمِّ شَيْئًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الَّذِي لَمْ يُسَمِّ شَيْئًا لِتَمَسُّكِهِ بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ فِي مُقْتَضَاهُ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُدَّعِي الْمُحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ مَا يَدَّعِيهِ بِالْبَيِّنَةِ

وَإِذَا دَفَعَ إلَى رَجُلَيْنِ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي الْمَالِ إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهِ فَهُوَ جَائِزٌ، وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ مَشَايِخِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْمَالِ مَا رَضِيَ بِرَأْيِ أَحَدِهِمَا فَلَيْسَ لِلْمُضَارِبِ أَنْ يَرْضَى بِمَا لَمْ يَرْضَ رَبُّ الْمَالِ بِهِ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ الَّذِي أَذِنَ لِصَاحِبِهِ فِي التَّصَرُّفِ يَكُونُ كَالْمُوَكِّلِ وَلِلْمُضَارِبِ أَنْ يُوَكِّلَ.
وَلَوْ وَكَّلَ إنْسَانًا وَاحِدًا بِالتَّصَرُّفِ نَفَذَ تَصَرُّفُ الْوَكِيلِ بَيْعًا وَشِرَاءً، فَكَذَلِكَ إذَا وَكَّلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ. وَإِنْ أَبْضَعَ أَحَدُهُمَا بَعْضَ الْمَالِ بِغَيْرِ أَمْرِ صَاحِبِهِ فَاشْتَرَى الْمُسْتَبْضِعُ وَبَاعَ وَرَبِحَ أَوْ وَضَعَ فَرِبْحُ ذَلِكَ لِلْمُضَارِبِ الَّذِي أَبْضَعَ وَوَضِيعَتُهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ

الصفحة 45