كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 22)

عَلَى أَنَّ ذَلِكَ رِبْحٌ.
وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ جَمِيعُ الْمَالِ فِي يَدِ الْمُنْكِرِ لِلْوَدِيعَةِ؛ لِأَنَّ الْمُنْكِرَ لِلْوَدِيعَةِ يَزْعُمُ أَنَّ الْخَمْسَمِائَةِ الْبِيضَ رِبْحٌ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ، وَمَالُ الْمُضَارَبَةِ فِي أَيْدِيهِمَا فَبِاعْتِبَارِ إقْرَارِ ذِي الْيَدِ هَذِهِ، وَمَا لَوْ كَانَ الْمَالُ كُلُّهُ فِي أَيْدِيهِمَا سَوَاءً بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمَالُ كُلُّهُ فِي يَدِ الْمُقِرِّ؛ لِأَنَّ الْمُقِرَّ يَزْعُمُ أَنَّ هَذِهِ الْخَمْسَمِائَةِ لَيْسَتْ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ، بَلْ هِيَ وَدِيعَةٌ لِصَاحِبِهَا، وَلَا يَدْفَعُهَا لِلْمُضَارِبِ الْآخَرِ وَلَا قَوْلَ، فَلِهَذَا كَانَ الْمُقِرُّ مُصَدَّقًا فِي جَمِيعِهَا هُنَا فَإِنْ كَانَ الْمُضَارِبَانِ حِينَ جَاءَا بِأَلْفَيْنِ كَانَتْ الْخَمْسُمِائَةِ الْبِيضُ كُلُّهَا فِي يَدِ الْمُقِرِّ الْوَدِيعَةِ فَقَالَ هَذِهِ وَدِيعَةٌ لِفُلَانٍ عِنْدِي وَقَالَ الْآخَرُ: وَرَبُّ الْمَالِ كُلُّهُ رِبْحٌ أَخَذَهَا صَاحِبُ الْوَدِيعَةِ كُلَّهَا؛ لِأَنَّ الْيَدَ فِيهَا لَهُ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلُهُ فِيهَا، وَالْخَمْسُمِائَةِ السُّودُ بَيْنَهُمْ أَرْبَاعًا لِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّهَا رِبْحٌ.
وَلَوْ كَانَتْ الْبِيضُ فِي يَدِ الْمُنْكِرِ لِلْوَدِيعَةِ أَخَذَ رَبُّ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَمَا بَقِيَ مِنْ مَالٍ قُسِّمَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ: لِرَبِّ الْمَالِ سَهْمَانِ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُضَارِبَيْنِ سَهْمٌ؛ لِأَنَّ الْبِيضَ هُنَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ فِي يَدِ الْجَاحِدِ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهَا فِي يَدِ الْمُقِرِّ، وَإِقْرَارُهُ الْوَدِيعَةِ فِيمَا فِي يَدِ الْغَيْرِ لَا يَكُونُ صَحِيحًا مَا لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ الْمَالُ، فَلِهَذَا قُسِمَ الْكُلُّ كَمَا هُوَ زَعْمُ الْمُنْكِرِ لِلْوَدِيعَةِ، ثُمَّ مَا وَقَعَ فِي سَهْمِ الْمُقِرِّ الْوَدِيعَةِ مِنْ الْبِيضِ سَلَّمَهُ إلَى صَاحِبِ الْوَدِيعَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ قَدْ وَصَلَ إلَى يَدِهِ، وَقَدْ أَقَرَّ بِالْمِلْكِ لَهُ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا سَبَقَ إذَا كَانَ الْمَالُ كُلُّهُ فِي يَدِ الْجَاحِدِ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ الْجَاحِدُ مُقِرٌّ لِلْمُقِرِّ الْوَدِيعَةِ بِالْيَدِ فِي نِصْفِهِ وَهُنَا الْجَاحِدُ لَا يُقَرُّ بِالْيَدِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْبِيضِ لِلْمُقِرِّ الْوَدِيعَةِ؛ لِأَنَّ فِي يَدِهِ مِثْلَهَا مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ، وَهِيَ الْخَمْسُمِائَةِ السُّودُ.

وَإِذَا دَفَعَ إلَى رَجُلَيْنِ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ وَأَمَرَهُمَا أَنْ يَعْمَلَا فِي ذَلِكَ بِرَأْيِهِمَا فَجَاءَا بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ فِي أَيْدِيهِمَا جَمِيعًا، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: أَلْفٌ مِنْهَا رَأْسُ الْمَالِ، وَخَمْسُمِائَةٍ رِبْحٌ، وَخَمْسُمِائَةٍ وَدِيعَةٌ لِفُلَانٍ خَلَطْنَاهَا بِالْمَالِ بِأَمْرِهِ فَهُوَ شَرِيكُنَا فِي هَذَا الْمَالِ بِخَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَصَدَّقَهُ فُلَانٌ بِذَلِكَ، وَقَالَ الْمُضَارِبُ الْآخَرُ: يَمْلِكُ الْأَلْفَ كُلّ هَا رِبْحٌ فَإِنَّ رَبَّ الْمَالِ يَأْخُذُ رَأْسَ مَالِهِ أَلْفًا، وَيَأْخُذُ الْمُقِرُّ لَهُ بِالشَّرِكَةِ مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ مِمَّا فِي يَدِ الْمُنْكِرِ أَثْلَاثًا؛ لِأَنَّهُمَا يَزْعُمَانِ أَنَّ ذَلِكَ رِبْحٌ، وَإِنَّ الْمُقِرَّ أَتْلَفَ مِنْهُ ذَلِكَ فَهُوَ مَحْسُوبٌ عَلَيْهِ، ثُمَّ يُقَسِّمُ رَبُّ الْمَالِ وَالْمُضَارِبَانِ الْخَمْسَمِائَةِ الْبَاقِيَةَ أَرْبَاعًا لِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّهَا رِبْحٌ، فَيَكُونُ لِلْمُضَارِبِ الْمُقِرِّ بِالشَّرِكَةِ مِنْهَا مِائَةٌ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا فَيَجْمَعُهَا إلَى مَا أَخَذَ الْمُقِرُّ لَهُ بِالشَّرِكَةِ، وَيُقَسَّمُ ذَلِكَ كُلُّهُ بَيْنَهُمَا عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ: سَهْمٍ لِلْمُضَارِبِ، وَأَرْبَعَةٍ لِلْمُقِرِّ لَهُ بِالشَّرِكَةِ؛ لِأَنَّهُمَا تَصَادَقَا عَلَى الشَّرِكَةِ بَيْنَهُمَا فِي الْمَالِ، وَتَصَادُقُهُمَا مُعْتَبَرٌ فِي حَقِّهِمَا فَمَا وَصَلَ إلَيْهِمَا يُقَسَّمُ عَلَى أَصْلِ حَقِّهِمَا، وَهُمَا مُتَّفِقَانِ أَنَّ حَقَّ الْمُقِرِّ لَهُ فِي خَمْسِمِائَةٍ، وَإِنَّ حَقَّ الْمُقِرِّ فِي مِائَةٍ وَخَمْسَةٍ

الصفحة 96