كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 26)

الرَّجُلُ الصَّبِيَّ الْحُرَّ عَلَى دَابَّةٍ فَقَالَ لَهُ أَمْسِكْهَا لِي، وَلَيْسَ بِيَدِهِ حَبْلٌ فَسَقَطَ عَنْ الدَّابَّةِ فَمَاتَ، فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الرَّجُلِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِإِتْلَافِهِ حِينَ حَمَلَهُ عَلَى الدَّابَّةِ فَكَانَ مُتَعَدِّيًا فِي تَسْبِيبِهِ، فَإِذَا تَلِفَ بِذَلِكَ السَّبَبِ كَانَ ضَامِنًا لِدِيَتِهِ وَيَسْتَوِي إنْ كَانَ الصَّبِيُّ مِمَّنْ يَرْكَبُ، أَوْ لَا يَرْكَبُ، فَإِنْ سَارَ الصَّبِيُّ عَلَى الدَّابَّةِ فَأَوْطَأَ إنْسَانًا فَقَتَلَهُ، فَإِنْ كَانَ هُوَ مِمَّنْ يَسْتَمْسِكُ عَلَيْهَا فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الصَّبِيِّ؛ لِأَنَّهُ مُتْلِفٌ لِلرَّجُلِ بِدَابَّتِهِ حِينَ أَوْطَأَهَا إيَّاهُ وَلَا شَيْءَ عَلَى عَاقِلَةِ الَّذِي حَمَلَهُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ أَحْدَثَ السَّيْرَ بِاخْتِيَارِهِ، فَهُوَ كَمَا لَوْ قَتَلَ رَجُلًا فِي يَدِ الْغَاصِبِ بِاخْتِيَارِهِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَسِيرُ عَلَى الدَّابَّةِ لِصِغَرِهِ وَلَا يَسْتَمْسِكُ عَلَيْهَا فَدَمُ الْقَتِيلِ هَدَرٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الدَّابَّةَ بِمَنْزِلَةِ الْمُنْفَلِتَةِ فَإِنَّهَا سَارَتْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُسَيِّرَهَا أَحَدٌ وَالدَّابَّةُ الْمُنْفَلِتَةُ إذَا وَطِئَتْ إنْسَانًا فَدَمُهُ هَدَرٌ وَهَذَا الَّذِي حَمَلَ الصَّبِيَّ عَلَى الدَّابَّةِ لَمْ يُسَيِّرْهَا فَلَا يَكُونُ هُوَ قَائِدًا لِلدَّابَّةِ وَلَا سَائِقًا، وَالصَّبِيُّ الَّذِي لَا يَسْتَمْسِكُ عَلَى الدَّابَّةِ بِمَنْزِلَةِ مَتَاعٍ مَوْضُوعٍ عَلَيْهَا فَلَا يَكُونُ هُوَ مُسَيِّرًا لِلدَّابَّةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ يَسْتَمْسِكُ عَلَيْهَا، وَإِذَا حَمَلَ الرَّجُلُ مَعَهُ الصَّبِيَّ عَلَى الدَّابَّةِ وَمِثْلُهُ لَا يُصَرِّفُهَا وَلَا يَسْتَمْسِكُ عَلَيْهَا فَوَطِئَتْ الدَّابَّةُ إنْسَانًا فَقَتَلَتْهُ
، فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الرَّجُلِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُسَيِّرُ لِلدَّابَّةِ، وَالصَّبِيُّ الَّذِي لَا يَسْتَمْسِكُ بِمَنْزِلَةِ الْمَتَاعِ مَعَهُ عَلَى الدَّابَّةِ، فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّ الرَّاكِبَ يُجْعَلُ مُتْلِفًا لِمَا أَوْطَأَ بِدَابَّتِهِ مُبَاشَرَةً فَإِنَّهُ إنَّمَا تَلِفَ بِفِعْلِهِ، وَالْكَفَّارَةُ جَزَاءُ مُبَاشَرَةِ الْقَتْلِ وَسَيَأْتِي بَيَانُ هَذَا فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِي هَذَا وَلَوْ كَانَ الصَّبِيُّ يُصَرِّفُ الدَّابَّةَ وَيَسِيرُ عَلَيْهَا، فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِمَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُسَيِّرٌ لِلدَّابَّةِ هَاهُنَا فَكَانَا جَانِيَيْنِ عَلَى الرَّجُلِ فَتَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِمَا وَلَا تَرْجِعُ عَاقِلَةُ الصَّبِيِّ عَلَى عَاقِلَةِ الرَّجُلِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ جِنَايَةِ الصَّبِيِّ بِيَدِهِ، وَالرَّجُلُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِذَلِكَ وَلَوْ سَقَطَ الصَّبِيُّ فَمَاتَ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الرَّجُلِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي حَمَلَهُ عَلَيْهَا، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ حَامِلَ الصَّبِيِّ عَلَى الدَّابَّةِ ضَامِنٌ لِدِيَتِهِ إذَا سَقَطَ سَوَاءٌ كَانَ سُقُوطُهُ بَعْدَ مَا سَيَّرَ الدَّابَّةَ، أَوْ قَبْلَ أَنْ يُسَيِّرَهَا وَكَانَ هُوَ مِمَّنْ يَسْتَمْسِكُ عَلَيْهَا، أَوْ لَا يَسْتَمْسِكُ عَلَيْهَا.

وَإِذَا حَمَلَ الْعَبْدُ صَبِيًّا حُرًّا عَلَى دَابَّةٍ فَوَقَعَ الصَّبِيُّ عَنْهَا فَمَاتَ فَدِيَتُهُ فِي عُنُقِ الْعَبْدِ يُدْفَعُ بِهِ، أَوْ يُفْدَى؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسَبِّبًا لِهَلَاكِهِ، وَالْعَبْدُ يَضْمَنُ بِالْجِنَايَةِ تَسَبُّبًا كَانَ أَوَمُبَاشَرَةً، وَمُوجَبُ جِنَايَةِ الْعَبْدِ الدَّفْعُ، أَوْ الْفِدَاءُ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ عَلَى الدَّابَّةِ فَسَارَا عَلَيْهَا فَوَطِئَتْ إنْسَانًا فَمَاتَ فَعَلَى عَاقِلَةِ الصَّبِيِّ نِصْفُ الدِّيَةِ وَفِي عُنُقِ الْعَبْدِ نِصْفُهَا يُدْفَعُ بِهِ، أَوْ يُفْدَى؛ لِأَنَّهُمَا جَانِيَانِ عَلَى الْمَقْتُولِ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُوجَبُ جِنَايَتِهِ وَيُجْعَلُ فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ كَأَنَّهُ تَفَرَّدَ بِهِ، وَإِذَا حَمَلَ الْحُرُّ الْكَبِيرُ الْعَبْدَ الصَّغِيرَ عَلَى الدَّابَّةِ وَمِثْلُهُ يُصَرِّفُهَا وَيَسْتَمْسِكُ عَلَيْهَا، ثُمَّ أَمَرَهُ أَنْ يَسِيرَ عَلَيْهَا فَأَوْطَأَ إنْسَانًا فَذَلِكَ

الصفحة 187