كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 27)

وَإِذَا بَاعَ الْحَائِطَ بَعْدَ مَا أَشْهَدَ عَلَيْهِ بَرِئَ مِنْ ضَمَانِهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا كَانَ جَانِيًا بِتَرْكِ الْهَدْمِ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْهُ وَبِالْبَيْعِ زَالَ تَمَكُّنُهُ مِنْ هَدْمِ الْحَائِطِ فَيَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ جَانِيًا فِيهِ بِخِلَافِ الْجَنَاحِ فَهُنَاكَ كَانَ جَانِيًا بِأَصْلِ الْوَضْعِ.
يُوَضِّحُهُ أَنَّ ابْتِدَاءَ الْإِشْهَادِ عَلَيْهِ لَا يَصِحُّ إذَا لَمْ يَكُنْ هُوَ مَالِكًا لِلْحَائِطِ فَكَذَلِكَ لَا يَبْقَى حُكْمُ الْإِشْهَادِ بَعْدَ - زَوَالِ مِلْكِهِ بِخِلَافِ الْجَنَاحِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي الْحَائِطِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ إلَيْهِ فِي هَدْمِهِ فَحَالُهُ كَحَالِهِ قَبْلَ أَنْ يَتَقَدَّمَ إلَيْهِ فِيهِ فَإِنْ شَهِدَ الْمُشْتَرِي فِي الْحَائِطِ فَإِنَّهُ لَا يَتَقَدَّمُ إلَيْهِ فِي هَدْمِهِ فَحَالُهُ كَحَالِ الْبَائِعِ قَبْلَ أَنْ يَتَقَدَّمَ إلَيْهِ فِيهِ فَإِنْ أَشْهَدَ عَلَى الْمُشْتَرِي بَعْدَ شِرَائِهِ فَهُوَ ضَامِنٌ لِتَرْكِهِ تَفْرِيغَ الطَّرِيقِ بَعْدَ مَا طُولِبَ بِهِ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ الْحَائِطُ رَهْنًا فَتَقَدَّمَ إلَى الْمُرْتَهِنِ فِيهِ لَمْ يَضْمَنْهُ الْمُرْتَهِنُ وَلَا الرَّاهِنُ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ مِنْ هَدْمِهِ فَلَا يَصِحُّ التَّقَدُّمُ فِيهِ إلَيْهِ وَلَمْ يَتَقَدَّمْ إلَى الرَّاهِنِ فِيهِ وَإِنْ تَقَدَّمَ فِيهِ إلَى الرَّاهِنِ كَانَ ضَامِنًا لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ أَنْ يَقْضِيَ الدَّيْنَ وَيَسْتَرِدَّ الْحَائِطَ فَهَدَمَهُ فَيَصِحُّ التَّقَدُّمُ إلَيْهِ فِيهِ وَإِنْ تَقَدَّمَ إلَى السَّاكِنِ الدَّارَ فِي بَعْضِ الْحَائِطِ الْمَائِلِ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِشَيْءٍ سَوَاءٌ كَانَ سَاكِنًا بِأَجْرٍ أَوْ بِغَيْرِ أَجْرٍ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ مِنْ النَّقْضِ وَإِنْ تَقَدَّمَ إلَى رَبِّ الدَّارِ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ هَدْمِهِ فَإِذَا تَقَدَّمَ إلَى أَبِ الصَّبِيِّ أَوْ الْوَصِيِّ فِي ذَلِكَ فَلَمْ يَنْقُضْهُ حَتَّى سَقَطَ فَأَصَابَ شَيْئًا فَضَمَانُهُ عَلَى الصَّبِيِّ لِأَنَّ الْأَبَ وَالْوَصِيَّ يَقُومَانِ مَقَامَهُ وَيَمْلِكَانِ هَدْمَ الْحَائِطِ فَيَصِحُّ التَّقَدُّمُ إلَيْهِمَا فِيهِ وَيَكُونُ ذَلِكَ كَالتَّقَدُّمِ إلَى الصَّبِيِّ بَعْدَ بُلُوغِهِ ثُمَّ هُمَا فِي تَرْكِ الْهَدْمِ يَعْمَلَانِ لِلصَّبِيِّ وَيَنْظُرَانِ لَهُ فَلِهَذَا كَانَ الضَّمَانُ عَلَيْهِ دُونَهُمَا.
وَإِذَا تَقَدَّمَ فِي الْحَائِطِ إلَى بَعْضِ الْوَرَثَةِ فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا ضَمَانَ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ لِأَنَّ أَحَدَ الشُّرَكَاءِ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ نَقْضِ الْحَائِطِ كَمَا لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ بِنَائِهِ وَلَمْ يُوجَدْ التَّقَدُّمُ إلَى الْبَاقِينَ فَلَا يَصِحُّ هَذَا الْإِشْهَادُ وَلَا يَكُونُ هُوَ مُتَعَدِّيًا فِي تَرْكِهِ التَّفْرِيغَ بَعْدَ هَذَا وَلَكِنَّا نَسْتَحْسِنُ فَنُضَمَّنُ هَذَا الَّذِي أَشْهَدَ عَلَيْهِ بِحِصَّةِ نَصِيبِهِ مِمَّا أَصَابَ الْحَائِطَ لِأَنَّهُ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ أَنْ يَطْلُبَ شُرَكَاءَهُ لِيَجْتَمِعُوا عَلَى هَدْمِهِ وَهَذَا لِأَنَّ الْإِشْهَادَ عَلَى جَمَاعَتِهِ يَتَعَذَّرُ عَادَةً فَلَوْ لَمْ يَصِحَّ الْإِشْهَادُ عَلَى بَعْضِهِمْ فِي نَصِيبِهِ أَدَّى إلَى الضَّرَرِ وَالضَّرَرُ مَدْفُوعٌ وَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَالْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ وَالْحُرُّ وَالْمُكَاتَبُ فِي هَذَا الْإِشْهَادِ سَوَاءٌ لِأَنَّهُمْ فِي التَّطَرُّقِ فِي هَذَا الطَّرِيقِ سَوَاءٌ.

وَإِذَا تَقَدَّمَ إلَى الْعَبْدِ التَّاجِرِ فِي الْحَائِطِ فَأَصَابَ إنْسَانًا وَعَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَهُوَ عَلَى عَاقِلَةِ مَوْلَاهُ لِأَنَّ الْعَبْدَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ هَدْمِ الْحَائِطِ فَيَصِحُّ التَّقَدُّمُ إلَيْهِ ثُمَّ الْحَائِطُ مِلْكُ الْمَوْلَى إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَالْمَوْلَى أَحَقُّ بِاسْتِخْلَاصِهِ لِنَفْسِهِ فَيُجْعَلُ فِي حُكْمِ الْجِنَايَةِ كَانَ الْمَوْلَى هُوَ الْمَالِكَ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِيمَا

الصفحة 10