كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 27)

الدَّيْنِ بِخِلَافِ حَقِّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ وَحَقُّ الْمَفْقُوءَةِ عَيْنُهُ صَارَ دَيْنًا بِقَضَاءِ الْقَاضِي فِي الثُّلُثِ فَيَثْبُتُ فِي ثُلُثِ الْوَلَدِ أَيْضًا فَهُوَ نَظِيرُ مُكَاتَبَةٍ عَجَزَتْ وَعَلَيْهَا دَيْنٌ، وَقَدْ وَلَدَتْ فِي مُكَاتَبَتِهَا فَبِيعَتْ فِي دَيْنِهَا فَلَمْ يَفِ ثَمَنُهَا بِهِ بِيعَ وَلَدُهَا فِيهِ أَيْضًا بِخِلَافِ حَقِّ وَلِيِّ النَّفْسِ وَاَلَّذِي يُوَضِّحُ الْفَرْقَ أَنَّ حَقَّ صَاحِبِ الدَّيْنِ يَثْبُتُ فِي الْكَسْبِ فَكَذَلِكَ يَثْبُتُ فِي الْوَلَدِ بِخِلَافِ حَقِّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ، وَإِنْ كَانَ إنَّمَا قَضَى لِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ عَلَى الْمُكَاتَبَةِ بِالسِّعَايَةِ فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهَا، ثُمَّ عَجَزَتْ، وَقَدْ وَلَدَتْ فِي مُكَاتَبَتِهَا فَحَقُّ الْمَفْقُوءَةِ عَيْنُهُ فِي ثُلُثِ رَقَبَتِهَا إنْ شَاءَ دَفَعَهُ، وَإِنْ شَاءَ فَدَاهُ، وَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ وَلَدِهَا وَيُبَاعُ ثُلُثُهَا لِلْمُقْضَى لَهُ، فَإِنْ وَفَّى وَإِلَّا بِيعَ ثُلُثَا الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ حَقَّ صَاحِبِ الْوَلَدِ صَارَ دَيْنًا بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَالدَّيْنُ يَسْرِي إلَى الْوَلَدِ وَحَقُّ صَاحِبِ الْعَيْنِ فِي الْجِنَايَةِ لَمْ يَصِرْ دَيْنًا بَعْدُ فَلَا يَسْرِي إلَى الْوَلَدِ.

مُكَاتَبٌ قَتَلَ رَجُلًا خَطَأً فَقَضَى عَلَيْهِ بِهَا، ثُمَّ جَنَى جِنَايَتَيْنِ فَقَضَى عَلَيْهِ بِإِحْدَاهُمَا، ثُمَّ عَجَزَ وَالْجِنَايَاتُ مُسْتَوِيَةٌ وَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا تَأْتِي عَلَى قِيمَتِهِ، فَإِنَّ الْقِيمَةَ لِلْمُقْضَى لَهُ دَيْنٌ فِي جَمِيعِ الرَّقَبَةِ؛ لِأَنَّهُ حِينَ تَحَوَّلَ حَقُّ الْأَوَّلِ إلَى الْقِيمَةِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي لَمْ يَكُنْ فِي رَقَبَتِهِ جِنَايَةٌ سِوَاهَا فَيَثْبُتُ حَقُّهُ فِي جَمِيعِ الْقِيمَةِ دَيْنًا فِي جَمِيعِ الرَّقَبَةِ، ثُمَّ لَا يَتَغَيَّرُ ذَلِكَ الْحُكْمُ بِمَا يَكُونُ لَهُ مِنْ الْجِنَايَةِ وَنِصْفُ الْقِيمَةِ لِلْمُقْضَى لَهُ الْآخَرُ دَيْنٌ فِي نِصْفِ الرَّقَبَةِ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ تَعَلَّقَتَا بِرَقَبَتِهِ فَيَكُونُ حَقُّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَوْلَيَيْنِ فِي النِّصْفِ، وَقَدْ تَحَوَّلَ حَقُّ الْمَقْضِيِّ لَهُ إلَى نِصْفِ الْقِيمَةِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَبَقِيَ حَقُّ الْآخَرِ فِي نِصْفِ الْعَبْدِ فَيُخَاطَبُ الْمَوْلَى بِدَفْعِهِ إلَى مَنْ لَمْ يَقْضِ لَهُ أَوْ الْفِدَاءُ، فَإِنْ فَدَاهُ طَهُرَ هَذَا النِّصْفُ عَنْ حَقِّ الثَّالِثِ، وَإِنَّمَا بَقِيَ فِيهِ حَقُّ الْأَوَّلِ فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ فَيُبَاعُ هَذَا النِّصْفُ لَهُ خَاصَّةً.
وَأَمَّا النِّصْفُ الْآخَرُ، فَقَدْ وَجَبَ فِيهِ دَيْنَانِ دَيْنُ الْمَقْضِيِّ لَهُ الْأَوَّلُ وَدَيْنُ الْمَقْضِيِّ لَهُ الثَّانِي فَيُبَاعُ هَذَا النِّصْفُ وَيُقْسَمُ الثَّمَنُ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي أَثْلَاثًا؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ يَضْرِبُ فِيهِ بِخَمْسَةِ آلَافٍ، فَقَدْ وَصَلَ إلَيْهِ نِصْفُ حَقِّهِ وَالثَّانِي يَضْرِبُ فِيهِ بِعَشَرَةِ آلَافٍ، فَإِنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ شَيْءٌ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْمُخْتَصَرِ قَالَ وَالْأَوْضَحُ عِنْدِي أَنَّ هَذَا النِّصْفَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ؛ لِأَنَّ حَقَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِقَضَاءِ الْقَاضِي حَوَّلَ إلَى نِصْفِ الْقِيمَةِ فِي هَذَا النِّصْفِ فَكَانَا مُسْتَوِيَيْنِ فِي ذَلِكَ فَيَكُونُ ثَمَنُ هَذَا النِّصْفِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَإِنْ دَفَعَ الْمَوْلَى نِصْفَهُ بِالْجِنَايَةِ بِيعَ النِّصْفُ الْمَدْفُوعُ فِي دَيْنِ الْأَوَّلِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ فِي هَذَا النِّصْفِ دَيْنٌ وَجِنَايَةٌ فَيُدْفَعُ أَوَّلًا بِالْجِنَايَةِ، ثُمَّ يُبَاعُ فِي الدَّيْنِ وَبِيعَ النِّصْفُ الْبَاقِي لِلْآخَرَيْنِ نِصْفَيْنِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ حَقَّهُمَا فِي هَذَا النِّصْفِ تَحَوَّلَ إلَى الْقِيمَةِ وَهُمَا مُسْتَوِيَانِ فِيهِ وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنْ الْقِيمَةِ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا غَلَطٌ، وَلَوْ كَانَ قَضَى

الصفحة 107