كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 27)

أَعْطِيَاتِهِمْ إلَّا شَهْرٌ أَوْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّأْجِيلَ فِي حَقِّ الْعَاقِلَةِ كَانَ لِمَعْنَى تَأَخُّرِ خُرُوجِ الْعَطَاءِ وَمَحَلُّ قَضَاءِ الدِّيَةِ مِنْهُ الْعَطَاءُ، فَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ خُرُوجُ الْعَطَاءِ بَعْدَ الْقَضَاءِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَخْرُجْ سِنِينَ لَمْ يُطَالَبُوا بِشَيْءٍ فَكَذَلِكَ إذَا خَرَجَ بَعْدَ قَضَاءِ الْقَاضِي بِشَهْرٍ أَوْ أَقَلَّ يُؤْخَذُ مِنْهُ ثُلُثُ الدِّيَةِ وَالثُّلُثُ الثَّانِي فِي الْعَطَاءِ الْآخَرِ إذَا خَرَجَ إنْ أَبْطَأَ بَعْدَ الْحَوْلِ أَوْ عَجَّلَ قَبْلَ السَّنَةِ، وَكَذَلِكَ الثُّلُثُ الثَّالِثُ، فَإِنْ عَجَّلَ لِلْقَوْمِ الْعَطَاءَ فَخَرَجَتْ لَهُمْ ثَلَاثَةُ أَعْطِيَةٍ مَرَّةً وَهِيَ أَعْطِيَةٌ اسْتَحَقُّوهَا بَعْدَ قَضَاءِ الْقَاضِي بِالدِّيَةِ، فَإِنَّ الدِّيَةَ كُلَّهَا تُؤْخَذُ مِنْ تِلْكَ الْأَعْطِيَةِ الثَّلَاثَةِ لِوُصُولِ مَحَلِّ أَدَاءِ الدِّيَةِ مِنْهُ إلَى يَدِ الْعَاقِلَةِ.

قَالَ: وَلَا يُقْضَى بِالدِّيَةِ عَلَى الْقَوْمِ حَتَّى يُصِيبَ الرَّجُلُ فِي عَطَائِهِ مِنْ الدِّيَةِ كُلِّهَا أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ أَوْ ثَلَاثَةً أَوْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: مَا يُقْضَى بِهِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَا يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ دِينَارٍ؛ لِأَنَّهَا صِلَةٌ وَاجِبَةٌ شَرْعًا فَيُعْتَبَرُ بِالزَّكَاةِ وَأَدْنَى مَا يَجِبُ فِي الزَّكَاةِ نِصْفُ دِينَارٍ أَوْ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، فَقَدْ كَانَ ذَلِكَ بِمَعْنَى نِصْفِ دِينَارٍ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَكِنَّا نَقُولُ: الْإِيجَابُ عَلَيْهِمْ لِلتَّخْفِيفِ عَلَى الْقَاتِلِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَعَسَّرُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَذَلِكَ فِي إيجَابِ الْقَلِيلِ دُونَ الْكَثِيرِ، ثُمَّ هَذِهِ يُؤْمَرُونَ بِأَدَائِهَا عَلَى وَجْهِ التَّبَرُّعِ فَلَا يَبْلُغُ مِقْدَارُهَا مِقْدَارَ الْوَاجِبِ مِنْ الزَّكَاةِ بَلْ يَنْقُصُ مِنْ ذَلِكَ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَا تَجِبُ هَذِهِ الصِّلَةُ فِي أُصُولِ أَمْوَالِهِمْ، وَإِنَّمَا تَجِبُ فِيمَا هُوَ صِلَةٌ لَهُمْ، وَهُوَ الْعَطَاءُ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّخْفِيفِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَقَدْ ظَنَّ بَعْضُ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أَنَّ التَّقْدِيرَ بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ فِيمَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ فِي كُلِّ سَنَةٍ وَذَلِكَ غَلَطٌ، فَقَدْ فَسَّرَهَا هُنَا فَقَالَ: حَتَّى يُصِيبَ الرَّجُلُ فِي عَطَائِهِ مِنْ الدِّيَةِ كُلِّهَا أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ أَوْ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ فِي كُلِّ سَنَةٍ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إلَّا دِرْهَمٌ أَوْ دِرْهَمٌ وَثُلُثٌ، فَإِنْ قَلَّتْ الْعَاقِلَةُ فَكَانَ يُصِيبُ الرَّجُلُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ أَوْ أَرْبَعَةٍ ضُمَّ إلَيْهِمْ أَقْرَبُ الْقَبَائِلِ فِي النَّسَبِ مِنْ أَهْلِ الدِّيوَانِ حَتَّى يُصِيبَ الرَّجُلُ فِي عَطَائِهِ مَا وَصَفْنَا، وَهَذَا لِأَنَّ إيجَابَ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِمْ إجْحَافٌ بِهِمْ فَلَا يَجُوزُ فَلِذَلِكَ ضُمَّ إلَيْهِمْ أَقْرَبُ الْقَبَائِلِ كَمَا ضَمَمْنَا الْعَاقِلَةَ إلَى الْقَبَائِلِ لِلتَّحَرُّزِ عَنْ الْإِجْحَافِ بِهِمْ وَلِأَنَّهُ مَتَى حَزَبَهُمْ أَمْرٌ وَلَا يَتَمَكَّنُونَ مِنْ دَفْعِ ذَلِكَ عَنْهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ، فَإِنَّمَا يَسْتَعِينُونَ بِأَقْرَبِ الْقَبَائِلِ إلَيْهِمْ، فَإِذَا كَانُوا فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ يَسْتَنْصِرُونَ بِهِمْ عِنْدَ الْحَاجَةِ فَكَذَلِكَ يُضَمُّونَ إلَيْهِمْ فِي تَحَمُّلِ الْعَقْلِ عِنْدَ الْحَاجَةِ.
قَالَ: وَلَا يَسْتَحِقُّونَ الْعَطَاءَ عِنْدَنَا إلَّا بِآخِرِ السَّنَةِ فَلِذَلِكَ قُلْنَا: إذَا خَرَجَ الْعَطَاءُ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِشَهْرٍ أَوْ أَقَلَّ أُخِذَ مِنْهُ ثُلُثُ الدِّيَةِ وَمَعْنَى هَذَا أَنَّ الْعَطَاءَ إنَّمَا يَخْرُجُ لَهُمْ فِي الْعَادَةِ فِي كُلِّ سَنَةٍ وَاسْتِحْقَاقُ ذَلِكَ عِنْدَ تَمَامِ السَّنَةِ؛ لِأَنَّهُمْ يَسْتَحِقُّونَ

الصفحة 129