كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 27)

الْعُلْوُ إذَا وَهِيَ فَتَقَدَّمَ أَهْلُ السُّفْلِ فِيهِ إلَى أَهْلِ الْعُلْوِ وَكَذَلِكَ الْحَائِطُ يَكُونُ أَعْلَاهُ لِرَجُلٍ وَأَسْفَلُهُ لِآخَرَ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا إذَا مَالَ الْحَائِطُ إلَى مِلْكِ إنْسَانٍ وَبَيْنَ مَا إذَا مَالَ إلَى الطَّرِيقِ فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا التَّقَدُّمُ إلَيْهِ هَاهُنَا لَا يَصِحُّ إلَّا مِنْ الْمَالِكِ لِأَنَّهُ أَشْغَلَ بِالْحَائِطِ هَوَاءَ مِلْكِهِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي أَنَّ صَاحِبَ الْمِلْكِ بَعْدَ مَا تَقَدَّمَ إلَيْهِ لَوْ أَخَّرَهُ أَيَّامًا أَوْ أَبْرَأَهُ مِنْ ذَلِكَ صَحَّ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ بِالْإِسْقَاطِ وَالتَّأْخِيرِ وَفِي الطَّرِيقِ لَوْ أَخَّرَهُ الَّذِي تَقَدَّمَ إلَيْهِ فِيهِ أَوْ أَبْرَأَهُ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ لِأَنَّ الْوَاحِدَ يَنُوبُ عَنْ الْعَامَّةِ فِي الْمُطَالَبَةِ بِحَقِّهِمْ لَا فِي إسْقَاطِ حَقِّهِمْ وَقَدْ صَحَّتْ الْمُطَالَبَةُ مِنْهُ فَلَا مُعْتَبَرَ بِإِسْقَاطِهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَا بِتَأْخِيرِهِ.

وَإِذَا مَالَ الْحَائِطُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ اثْنَيْنِ إلَى الطَّرِيقِ فَتَقَدَّمُوا فِيهِ إلَى أَحَدِهِمَا ثُمَّ سَقَطَ فَأَصَابَ إنْسَانًا فَإِنَّمَا يَضْمَنُ الَّذِي تُقُدِّمَ إلَيْهِ النِّصْفُ مِنْ ذَلِكَ إذَا كَانَ الْحَائِطُ هُوَ الَّذِي أَصَابَهُ كُلَّهُ وَكَذَلِكَ الْعُلْوُ وَالسُّفْلُ إذَا وَهَيَا أَوْ مَالَا إلَى الطَّرِيقِ فَتُقُدِّمَ إلَى أَحَدِهِمَا فِيهِ وَهَذَا عَلَى الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي الْوَرَثَةِ إذَا مَالَ حَائِطُ الرَّجُلِ بَعْضُهُ عَلَى الطَّرِيقِ وَبَعْضُهُ عَلَى دَارِ قَوْمٍ فَتَقَدَّمَ إلَيْهِ أَهْلُ الدَّارِ فِيهِ فَسَقَطَ مَا فِي الطَّرِيقِ مِنْهُ فَهُوَ ضَامِنٌ لَهُ وَكَذَلِكَ لَوْ تَقَدَّمَ أَهْلُ الطَّرِيقِ إلَيْهِ فَسَقَطَ الْمَائِلُ إلَى الدَّارِ عَلَى أَهْلِ الدَّارِ فَهُوَ ضَامِنٌ لَهُ لِأَنَّهُ حَائِطٌ وَاحِدٌ فَإِذَا أَشْهَدَ عَلَى بَعْضِهِ فَقَدْ أَشْهَدَ عَلَى جَمِيعِهِ وَإِذَا كَانَ الْمُتَقَدِّمُ إلَيْهِ مِنْ أَهْلِ الدَّارِ فَتَقَدُّمُهُ إلَيْهِ صَحِيحٌ فِي جَمِيعِ الْحَائِطِ فِيمَا مَالَ إلَى الدَّارِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ الْمَالِكُ وَفِيمَا مَالَ إلَى الطَّرِيقِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ وَاحِدٌ مِنْ النَّاسِ فَإِذَا كَانَ الَّذِي تَقَدَّمَ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الدَّارِ فَتَقَدُّمُهُ صَحِيحٌ فِيمَا مَالَ مِنْهُ إلَى الطَّرِيقِ فَإِذَا صَحَّ فِي بَعْضِهِ صَحَّ فِي كُلِّهِ وَإِذَا وَهَى بَعْضُ الْحَائِطِ وَمَا بَقِيَ مِنْهُ صَحِيحٌ غَيْرُ وَاهٍ فَتَقَدَّمَ إلَيْهِ فِيهِ فَسَقَطَ مَا وَهَى وَمَا لَمْ يَهِ فَقَتَلَ إنْسَانًا فَهُوَ ضَامِنٌ لَهُ لِأَنَّهُ حَائِطٌ وَاحِدٌ فَإِذَا وَهَى بَعْضُهُ وَهَى كُلُّهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ حَائِطًا طَوِيلًا بِحَيْثُ لَوْ وَهَى بَعْضُهُ لَمْ يَهِ مَا بَقِيَ مِنْهُ وَتَفَرَّقَ ذَلِكَ فَحِينَئِذٍ يَضْمَنُ مَا أَصَابَ الْوَاهِي مِنْهُ وَلَا يَضْمَنُ مَا أَصَابَ الَّذِي لَمْ يَهِ مِنْهُ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ حَائِطَيْنِ وَالتَّقَدُّمُ إلَيْهِ إنَّمَا يَصِحُّ فِي الْحَائِطِ الْمَائِلِ أَوْ الْوَاهِي دُونَ الْحَائِطِ الصَّحِيحِ فَإِذَا أَصَابَ الَّذِي لَمْ يَهِ مِنْهُ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ بِهِ عَلَيْهِ ضَمَانٌ لِأَنَّهُ لَمْ تَتَوَجَّهْ عَلَيْهِ الْمُطَالَبَةُ بِالْهَدْمِ فِيهِ

قَالَ: وَإِذَا كَانَ سُفْلُ الْحَائِطِ لِرَجُلٍ وَعُلْوُهُ لِآخَرَ وَقَدْ وَهَى فَتَقَدَّمَ فِيهِ إلَيْهِمَا ثُمَّ سَقَطَ الْعُلْوُ فَقَتَلَ إنْسَانًا فَالضَّمَانُ عَلَى صَاحِبِ الْعُلْوِ لِأَنَّ الْعُلْوَ غَيْرُ مَدْفُوعٍ بِالسُّفْلِ وَلَكِنَّهُ سَاقِطٌ بِنَفْسِهِ وَقَدْ صَحَّ التَّقَدُّمُ فِيهِ إلَى صَاحِبِهِ فَيُجْعَلُ صَاحِبُهُ كَالْمُتْلِفِ لِمَا سَقَطَ عَلَيْهِ الْعُلْوُ

قَالَ: وَإِذَا اسْتَأْجَرَ الرَّجُلُ أُجَرَاءَ

الصفحة 13