كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 27)

الثُّلُثِ اثْنَانِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، فَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ. وَالْأَصْلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ عِنْدَ عَدَمِ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ تَبْطُلُ فِي حَقِّ الضَّرْبِ بِهَا فِي ثُلُثٍ، وَبَيَانُهُ إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِجَمِيعِ مَالِهِ وَلِآخَرَ بِثُلُثِ مَالِهِ فَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ أَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِجَمِيعِ مَالِهِ وَلِآخَرَ بِنِصْفِ مَالِهِ فَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فِي الْفَصْلَيْنِ جَمِيعًا، وَعِنْدَهُمَا فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ يَكُونُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا أَرْبَاعًا عَلَى أَنْ يَضْرِبَ الْمُوصَى لَهُ بِالْجَمِيعِ بِالثُّلُثِ فِي سِهَامِ جَمِيعِ الْمَالِ الثَّلَاثَةِ وَالْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ بِسَهْمٍ وَاحِدٍ، وَفِي الْفَصْلِ الثَّانِي يَكُونُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا عَلَى أَنْ يَضْرِبَ الْمُوصَى لَهُ بِالْجَمِيعِ بِسَهْمَيْنِ وَالْمُوصَى لَهُ بِالنِّصْفِ بِسَهْمٍ فَهُمَا يَقُولَانِ: مَا يُوجِبُهُ الْمُوصِي بَعْدَ مَوْتِهِ مُعْتَبَرٌ بِمَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - مِنْ السِّهَامِ لِلْوَرَثَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَوْجَبَ لِلزَّوْجِ النِّصْفَ وَلِلْأُخْتِ النِّصْفَ وَلِلْأُمِّ الثُّلُثَ فَكَانَ مُوجَبُ اسْتِحْقَاقِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِمَا أُوجِبَ لَهُ عِنْدَ الِانْفِرَادِ وَالضَّرْبِ بِجَمِيعِ مَا سُمِّيَ لَهُ بِالْوَصِيَّةِ فِي مَحَلِّ الْمِيرَاثِ عِنْدَ الْمُزَاحَمَة فَكَذَلِكَ فِيمَا أَوْجَبَ الْمُوصِي.
الْمَقْصُودُ اسْتِحْقَاقُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِمَا أَوْجَبَهُ لَهُ عِنْدَ الِانْفِرَادِ وَإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ يُوَضِّحُهُ أَنَّ الْمُوصِيَ قَصَدَ سَلَامَةَ مَا سُمِّيَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِكَمَالِهِ وَتَفْضِيلَ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فَفِي أَحَدِ الْحُكْمَيْنِ تَعَذَّرَ تَحْصِيلُ مَقْصُودِهِ عِنْدَ عَدَمِ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ، وَفِي حُكْمِ الْآخَرِ مَا تَعَذَّرَ تَحْصِيلُ مَقْصُودِهِ فَيَجِبُ تَحْصِيلُهُ كَمَا لَوْ قَالَ أَوْصَيْت بِهَذِهِ الْأَلْفِ لِفُلَانٍ مِنْهَا بِسِتِّمِائَةٍ وَلِفُلَانٍ مِنْهَا بِسَبْعِمِائَةٍ تُعْتَبَرُ تَسْمِيَتُهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَفِي الْقَدْرِ الَّذِي سُمِّيَ التَّفْضِيلُ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ تَعَذَّرَ اعْتِبَارُهُ فِي اسْتِحْقَاقِ جَمِيعِ الْمُسَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِضِيقِ الْمَحِلِّ، ثُمَّ وَصِيَّتُهُ بِالنِّصْفِ وَالثُّلُثِ يَنْصَرِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى جُزْءٍ شَائِعٍ فِي جَمِيعِ مَالِهِ، وَفِيمَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ تَنْفُذُ وَصِيَّةُ أَحَدِهِمَا بِجَمِيعِ الثُّلُثِ الَّذِي لَهُ أَنْ يُوصِيَ بِهِ وَجَعَلَ الزِّيَادَةَ فِيمَا أَوْصَى لِأَحَدِهِمَا بِثُلُثِ مَالِهِ لِلْآخَرِ خَاصَّةً حَتَّى يَبْطُلَ بِعَدَمِ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ وَذَلِكَ خِلَافُ مَا أَوْجَبَهُ الْمُوصِي.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى لِأَحَدِهِمَا بِثُلُثِ مَالِهِ وَلِآخَرَ بِسُدُسِ مَالِهِ وَلِأَحَدِهِمَا بِالثُّلُثِ وَلِلْآخَرِ بِالرُّبُعِ أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَضْرِبَ بِجَمِيعِ مَا أَوْصَى بِهِ لَهُ فِي الثُّلُثِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَوْصَى لِأَحَدِهِمَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَلِلْآخَرِ بِأَلْفَيْنِ وَثُلُثُ مَالِهِ أَلْفٌ ضَرَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الثُّلُثِ بِجَمِيعِ مَا سُمِّيَ لَهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَعْتَقَ فِي مَرَضِهِ عَبْدًا قِيمَتُهُ أَلْفٌ وَعَبْدًا قِيمَتُهُ أَلْفَانِ وَثُلُثُ مَالِهِ أَلْفٌ أَوْ بَاعَ مِنْ إنْسَانٍ عَبْدًا وَحَابَاهُ بِأَلْفٍ وَبَاعَ مِنْ أَحَدٍ شَيْئًا وَحَابَاهُ بِأَلْفَيْنِ ضَرَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الثُّلُثِ بِجَمِيعِ مَا حَبَاهُ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِ

الصفحة 148