كتاب المبسوط للسرخسي (اسم الجزء: 27)

عَدَمِ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ وَبِهِ فَارَقَ الْمَوَارِيثَ، فَقَدْ اسْتَوَتْ السِّهَامُ فِي الْقُوَّةِ، وَكَذَلِكَ الْوَصَايَا فِي الثُّلُثِ، فَقَدْ اسْتَوَتْ فِي الْقُوَّةِ لِمُصَادَفَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَحَلَّ الْوَصِيَّةِ، وَكَذَلِكَ التَّرِكَةُ إذَا كَانَتْ أَلْفًا، وَفِيهَا دَيْنٌ أَلْفٌ وَدَيْنٌ أَلْفَانِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَيْنِ اسْتَوَيَا فِي الْقُوَّةِ، وَكَذَلِكَ الْوَصَايَا فِي الْأُلُوفِ الْمُرْسَلَةِ وَالْعِتْقِ وَالْمُحَابَاةِ، فَإِنَّهَا اسْتَوَتْ فِي الْقُوَّةِ حِينَ لَمْ تَصِحَّ فِي حَقِّ الْوَرَثَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَقَوْلُ الْمُوصِي قَصْدٌ تَبَيَّنَ فَلَنَا التَّفْصِيلُ بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ الْإِيجَابِ فِي حَقِّ الِاسْتِحْقَاقِ، وَقَدْ بَطَلَ ذَلِكَ بِالرَّدِّ عَلَى الطَّرِيقِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ عَلَى الطَّرِيقِ الثَّانِي فَلَا يُزَاحِمُ الْقَوِيَّ وَبِهِ فَارَقَ مَسْأَلَةَ الْأَلْفِ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْإِضَافَةِ إلَيْهِمَا يَعْقُبُهُ تَفْسِيرٌ، وَهُوَ مَا سُمِّيَ مِنْ السِّتِّمِائَةِ لِأَحَدِهِمَا وَالسَّبْعِمِائَةِ لِلْآخَرِ فَيَكُونُ الْحُكْمُ لِذَلِكَ التَّفْسِيرِ اسْتِوَاءَ الْإِيجَابِ فِي الْقُوَّةِ وَمَا قَالُوا إنَّ الْإِيجَابَ يَنْصَرِفُ إلَى جُزْءٍ شَائِعٍ هَاهُنَا فَاسِدٌ، فَإِنَّهُ إذَا أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِابْنِهِ اسْتَحَقَّ الْمُوصَى لَهُ جَمِيعَ الثُّلُثِ وَلَوْ انْصَرَفَ الْإِيجَابُ إلَى ثُلُثٍ شَائِعٍ فِي جَمِيعِ الْمَالِ صَارَ لَهُ ثُلُثُ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ صَادَفَ مَحَلَّ الْوَصِيَّةِ وَحَيْثُ اسْتَحَقَّ جَمِيعَ الثُّلُثِ عَرَفْنَا أَنَّ تَسْمِيَةَ الثُّلُثِ مُطْلَقًا تَنْفِيذُ مَحَلِّ الْوَصِيَّةِ لِتَصْحِيحِ إيجَابِهِ فِي جَمِيعِهِ كَالْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ اثْنَيْنِ يَبِيعُ أَحَدُهُمَا نِصْفًا مُطْلَقًا، فَإِنَّهُ يَنْصَرِفُ الْبَيْعُ إلَى نَصِيبِهِ خَاصَّةً، فَهَذَا مِثْلُهُ.
وَعَنْ أَبِي عَاصِمٍ الثَّقَفِيِّ قَالَ سَأَلَنِي إبْرَاهِيمُ عَنْ رَجُلٍ أَوْصَى بِنِصْفِ مَالِهِ وَثُلُثِهِ وَرُبُعِهِ فَأَجَازُوا قُلْت لَا عِلْمَ لِي بِهَا قَالَ لِي خُذْ مَالًا لَهُ نِصْفٌ وَثُلُثٌ وَرُبُعٌ وَذَلِكَ اثْنَا عَشَرَ فَخُذْ نِصْفَهَا سِتَّةً وَثُلُثَهَا أَرْبَعَةً وَرُبُعَهَا ثَلَاثَةً فَاقْسِمْ الْمَالَ عَلَى ذَلِكَ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِخِلَافِ ذَلِكَ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى اخْتَلَفُوا فِي تَخْرِيجِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ مَعْرُوفَةٌ تُدْعَى الثَّقَفِيَّةَ وَرُبَّمَا يُمْتَحَنُ مَنْ يَدَّعِي التَّحَرُّزَ فِي الْمُقَدَّرَاتِ مِنْ أَصْحَابِنَا، فَأَمَّا تَخْرِيجُ قَوْلِهِمَا فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ عِنْدَهُمَا عَلَى طَرِيقِ الْعَوْلِ وَالْمُضَارَبَةِ فَالْمُوصَى لَهُ بِالنِّصْفِ يَضْرِبُ بِنِصْفِ الْمَالِ سِتَّةً مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ وَالْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ يَضْرِبُ بِأَرْبَعَةٍ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ وَالْمُوصَى لَهُ بِالرُّبُعِ يَضْرِبُ بِثَلَاثَةٍ فَمَبْلَغُ هَذِهِ السِّهَامِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ فَحِينَئِذٍ أَجَازَهُ الْوَرَثَةُ يُقْسَمُ جَمِيعُ الْمَالِ بَيْنَهُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَعِنْدَ عَدَمِ الْإِجَازَةِ يُقْسَمُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَقِسْمَةُ الْمَالِ بَيْنَهُمْ عِنْدَ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ عَلَى طَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ فَخَرَّجَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلَهُ عَلَى طَرِيقٍ وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى طَرِيقٍ آخَرَ وَالْحَسَنُ عَلَى طَرِيقٍ آخَرَ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رَوَى طَرِيقَهُ عَنْهُ. وَطَرِيقُ الْحَسَنِ أَوْجَهُ، فَأَمَّا طَرِيقُ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِالنِّصْفِ فَضَلَ الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ بِسَهْمَيْنِ؛ لِأَنَّ تَفَاوُتَ مَا بَيْنَ النِّصْفِ وَالثُّلُثِ سَهْمَانِ وَلَا مُنَازَعَةَ فِي هَذَيْنِ السَّهْمَيْنِ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ وَالرُّبُعِ فَيَأْخُذُهُمَا صَاحِبُ

الصفحة 150